والأخرى : إنّنا لا نخاف من تهديداتك مطلقا.
والثّالثة : حكومتك وسعيك سوف يدومان إلّا أيّاما قليلة من الدينا!
ثمّ أضافوا بأنّا قد ارتكبنا ذنوبا كثيرة نتيجة السحر ، فـ (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) وخلاصة القول : إنّ هدفنا هو الطهارة من الذنوب الماضية ، ومن جملتها محاربة نبي الله الحقيقي ، فنحن نريد أن نصل عن هذا الطريق إلى السعادة الأبدية ، فإذا كنت تهدّدنا بالموت في الدنيا ، فإنّنا نتقبّل هذا الضرر القليل في مقابل ذلك الخير العظيم!
وهنا ينقدح سؤال ، وهو : إنّ السّحرة قد أتوا بأنفسهم إلى حلبة الصراع ظاهرا ، بالرغم من أنّ فرعون قد وعدهم وعودا كبيرة ، فكيف عبّرت الآية بالإكراه؟
ونقول في الجواب : إنّنا لا نملك أي دليل على أنّ السّحرة لم يكونوا مجبورين منذ البداية ، بل إنّ ظاهر جملة (يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) (١) ، أنّ السّحرة العلماء بالفنّ كانوا ملزمين بقبول الدعوة ، ومن الطبيعي أنّ هذا الأمر يبدو طبيعيّا في ظلّ حكومة فرعون المستبدّة ، بأن يجبر أفرادا في طريق تحقيق نيّاته ، ووضع الجوائز وأمثال ذلك لا ينافي هذا المفهوم ، لأنّنا رأينا ـ كثيرا ـ حكومات ظالمة مستبدّة تتوسّل بالترغيبات المادية إلى جانب استعمال القوّة.
ويحتمل أيضا أنّ السّحرة عند أوّل مواجهة لهم مع موسى عليهالسلام تبيّن لهم من خلال القرائن أنّ موسى عليهالسلام على الحقّ ، أو أنّهم على أقل تقدير وقعوا في شكّ ، ونشب بينهم نزاع وجدال ، كما نقرأ ذلك في الآية (٦٢) من هذه السورة : (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) ، فأطلع فرعون وأجهزته على ما جرى ، فأجبروهم على الاستمرار في المجابهة.
ثمّ واصل السّحرة قولهم بأنّنا إذا كنّا قد آمنا فإنّ سبب ذلك واضح فـ (إِنَّهُ مَنْ
__________________
(١) الأعراف ، ١١٢.