الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) يتطهّرون بماء المغفرة الإلهيّة أوّلا ، فتطمئن ضمائرهم ، ثمّ تشملهم نعم الله ورحمته.
عبارة «رزق كريم» (مع ملاحظة أنّ كلمة «كريم» تطلق على أي موجود شريف وثمين) ذات مفهوم واسع يضمّ جميع الأنعم المادية والمعنوية.
أجل ، إنّ الله الكريم يمنّ على عباده المؤمنين الصالحين بأنواع من الرزق الكريم في تلك المنازل الكريمة ، يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته : لا يقال الكرم إلّا في المحاسن ، كمن ينفق مالا في تجهيز جيش في سبيل الله ، أو تحمّل حمالة ترقئ دماء قوم. فعلى هذا لا يطلق الكرم على الإحسان الجزئي.
وفسّر البعض الرزق الكريم بالرزق الدائم الذي لا عيب ولا نقص فيه.
وقال آخرون : إنّه الرزق الذي يليق بالمؤمنين الصالحين ، ولا يخفى أنّ المراد من ذلك شامل ويضمّ جميع هذه المعاني. وأضافت الآية السابقة (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي إنّ الذين حاولوا تخريب الآيات الإلهيّة ومحوها ، وكانوا يعتقدون بأنّ لهم القدرة على مغالبة إرادة الله المطلقة ، فهم أصحاب الجحيم (١).
«جحيم» من مادّة «جحم» بمعنى شدّة توقّد النّار ، وتقال كذلك لشدّة الغضب ، فعلى هذا تطلق كلمة (الجحيم) على المكان المشتعل بالنيران ، وهي هنا تشير إلى نار الآخرة.
* * *
__________________
(١) «سعوا» مشتقّة من «السعي» وتعني في الأساس الهرولة ، وهنا المحاولة في تخريب الآيات الإلهية ومحوها. أمّا «المعاجزون» فمتشقّة من «العجز» وتعني هنا الذي يحاول الغلبة على قدرة الله غير المحدودة. وتصوّر بعض المفسّرين أنّ هذا الاحتمال لا يمكنه أن يكون لأي أحد يريد تعجيز الله وقهر إرادته ، وعلى هذا فإنّ كلمة «المعاجزين» نسبوها إلى النّبي والمؤمنين. في الوقت الذي استخدم هذا التعبير في آيات قرآنية أخرى لله ، سورة الجن الآيات (١٢) والتوبة الآية (٢ و ٣) وتعني عمل شخص يتظاهر بقدرته ليس إلّا.