«المناسك» ـ كما قلنا سابقا ـ جمع «منسك» أي مطلق العبادات ، ومن الممكن أن تشمل جميع التعاليم الإلهيّة. لهذا فإنّ الآية تبيّن أنّ لكلّ امّة شرعة ومنهاجا يفي بمتطلّباتها بحسب الأحوال التي تعيشها ، لكنّ ارتقاءها يستوجب تعاليم جديدة تلبّي مطامحها المترقّية ، وهذا ما صدعت به الآية المباركة وأنارته قائلة : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ). فبما تقدّم لا ينبغي لهم منازعتك في هذا الأمر.
(وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ). تخاطب الآية النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يا أيّها النّبي لا يؤثّر هؤلاء في دعوتك الراشدة باعتراضاتهم الضّالة ، فالمهتدي إلى الصراط المستقيم أقوى من الضارب في التيه.
فوصف «الهدى» بالاستقامة ، إمّا تأكيدا لها ، وإمّا إشارة إلى أنّها يمكن أن تتحقّق بطرق مختلفة ، قريبها وبعيدها ، مستقيمها وملتويها ، إلّا أنّ الهداية الإلهيّة أقربها وأكثرها استقامة.
ثمّ أضافت الآية (وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) فلو استمرّوا في جدالهم ومنازعتهم معك ، ولم يؤثّر فيهم كلامك. فقل لهم : انّ الله أعلم بأعمالكم ، وستحشرون إليه في يوم يعود الناس فيه إلى التوحيد ، وتحلّ جميع الاختلافات لظهور الحقائق لجميع الناس : (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ (يَوْمَ الْقِيامَةِ) فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (١).
وبما أنّ القضاء بين العباد يوم القيامة بحاجة إلى علم واسع بهم واطّلاع دقيق بأعمالهم ، ختمت الآيات هاهنا بقوله تعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) و (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ).
__________________
الله ، في وقت تأكلون فيه الميتة التي قتلتموها أنتم؟! فنزلت هذه الآيات لتردّ عليهم.
إلّا أنّه يستبعد أن تتضمّن هذه الآيات ذلك. لأنّ أكل الميتة لم تسمح به شريعة ـ في الظاهر ـ لما فيه من ضرر ، حتّى يأتي القرآن ليؤيّد ذلك ويقول : لكلّ شريعة تعاليمها.
(١) هذه الآية قد تخاطب المخالفين للإسلام والنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعلى هذا فإنّ عبارة (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ...) قول الله على لسان نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويمكن أن تخاطب جميع المسلمين والمخالفين ، وعلى هذا تكون هذه الآية ذات بيان خاص موجّه من الله إلى الجميع.