رجليه ورفع يديه ، ثمّ استعملت بالمعنى الذي ذكرناه.
ولو فكّر الإنسان منطقيّا لما أغضبه حديث لا يرضاه ، ولما ثار مقطّبا متهيّئا للهجوم على محدّثه مهما خالفه. بل يحاول ردّه ببيان منطقي.
وانفعال المشركين على النحو المتقدّم دليل على انهيار تفكيرهم وغلبة الجهل والباطل عليهم.
وعبارة (يَكادُونَ يَسْطُونَ) التي تتألّف من فعلين مضارعين ، دليل على استمرار حالة الهجوم والسباب في ذات المشركين وتأصّلها فيهم ، فتارة يفعلونه ، وأخرى تبدو علائمه على وجوههم حين لا تسمح به الأحوال.
وقد أمر القرآن المجيد الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجبه هؤلاء المتغطرسين هاتفا (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) (١).
أي إن زعمتم أنّ هذه الآيات البيّنات شرّ ، لأنّها لا تنسجم مع أفكاركم المنحرفة ، فإنّني أخبركم بما هو شرّ منها ، ألا وهو عقاب الله الأليم ، النّار التي أعدّها الله جزاء (وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). أجل ، إنّ النّار المحرقة لأسوإ مكان للمتشدّدين الحادّي المزاج الذين أحرقت نار عصبيّتهم ولجاجهم قلوبهم ، لأنّ العقاب الإلهي يتناسب دائما مع كيفية الذنب والعصيان.
وترسم الآية الآتية صورة معبّرة لما كان عليه الوثنيون ، وما يعبدونه من أشياء ضعيفة هزيلة تكشف عن بطلان آراء المشركين وعقيدتهم ، مخاطبة للناس جميعا خطابا هاديا أن (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ) وتدبّروا فيه جيدا (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ).
أجل ، لو اجتمعت الأوثان كلّها ، وحتّى العلماء والمفكّرين والمخترعين
__________________
(١) إنّ «النّار» هنا خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هي النّار ، واحتمل البعض أنّ النّار مبتدأ وجملة «وعدها الله» خبر لها ، إلّا أنّ القول الأوّل هو الأصوب. وفعل «وعد» أخذ هنا مفعولين ، الأوّل «الذين كفروا» الذي تأخّر والثّاني «الهاء» التي تقدّمت ذلك للتخصيص.