الآيتين (٢٧) و ٢٨) من سورة الجن (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) (١).
وقد اتّضح بهذا أنّ القصد من عبارة (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) هو الأحداث المستقبلة و (ما خَلْفَهُمْ) الأحداث الماضية.
الآيتان التاليتان هما آخر آيات سورة الحجّ حيث تخاطبان المؤمنين وتبيّنان مجموعة من التعاليم الشاملة التي تحفظ دينهم ودنياهم وانتصارهم في جميع الميادين ، وبهذه الروعة والجمال تختتم سورة الحجّ.
في البداية تشير الآية إلى أربعة تعليمات (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقد بيّنت الآية ركنين من أركان الصلاة ، الركوع والسجود لأهميتهما الاستثنائية في هذه العبادة العظيمة.
والأمر بعبادة الله ـ بعد الأمر بالركوع والسجود ـ يشمل جميع العبادات.
ولفظ «ربّكم» إشارة إلى لياقته للعبادة وعدم لياقة غيره لها ، لأنّه سبحانه وتعالى مالك عبيده وجميع مخلوقاته ومربيّهم.
والأمر بفعل الخير يشمل أعمال الخير دون قيد أو شرط ، وما نقل عن ابن عبّاس من أنّ هذه الآية تتناول صلة الرحم ومكارم الأخلاق هو بيان مصداق بارز لمفهوم الآية العامّ.
ثمّ يصدر الله أمره الخاص بالجهاد بالمعنى الشامل للكلمة ، فيقول عزّ من قائل : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ).
ومعظم المفسّرين لم يخصّوا هذه الآية بالجهاد المسلّح لأعداء الله ، بل فسّروها بما هي عليه من معنى لغوي عامّ ، بكلّ نوع من الجهاد في سبيل الله
__________________
(١) العلّامة الطباطبائي في تفسير الميزان ذيل الآيات موضع البحث ، يعتبر جملة (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) إشارة إلى عصمة الأنبياء وحماية الله لهم ، ومع ملاحظة ما ذكرناه أعلاه فإنّ هذا التّفسير يبدو بعيدا نوعا ما.