ذكرتهم آيات قرآنية مباشرة بعد سرد قصّة نوح عليهالسلام ، وهذا دليل على صحّة هذا التّفسير (١) ، إلّا أنّ عقاب قوم عاد كما جاء في الآيتين السادسة والسابعة من سورة «الحاقة» ، كان ريحا شديدا استمرّ سبعة أيّام فدمّرهم عن بكرة أبيهم ، إذن فالتّفسير الأوّل هو الأصحّ.
ولننظر الآن ماذا كان ردّ فعل هؤلاء القوم المعاندين إزاء التوحيد الذي أعلنه هذا النّبي الكبير؟
يقول القرآن في الآية التالية : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ).
أجل إنّ القوم الذين عاشوا في رفاه مطلق دعاهم القرآن باسم الملأ (ترى ظاهرهم يملأ العين ، إلّا أنّ باطنهم خاو من النور).
وبما أنّهم كانوا يرون في دعوة نبي الله خلافا لأهوائهم ومنافسة لمصالحهم العدوانية وتسلّطهم الذي لا مبرّر له ، وقد أترفوا فبعدوا عن ذكر الله ، وأنكروا الآخرة ، فجادلوا نبيّهم بنفس منطق المعاندين من قوم نوح ، فقد رأوا في بشرية القادة الربانيّين وتناولهم الطعام كباقي الناس دليلا على بطلان نبوّة هؤلاء ، في حين أنّ هذا الأمر بحدّ ذاته مؤيّد على كون هؤلاء الرجال العظام حملة رسالة من الله إلى الناس ، ولأنّهم نهضوا من بين جماهير الناس بعد أن شعروا بآلامهم وعملوا بما يحتاجونه بشكل جيّد.
ثمّ قال بعضهم للبعض الآخر : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ).
هؤلاء الحمقى لم يلتفتوا إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّهم يريدون من الناس بهذه الوساوس الشيطانية أن ينقادوا له في محاربة الأنبياء ، في الوقت الذي يعيبون فيه
__________________
(١) يراجع في ذلك سورة هود الآية (٥٠) وسورة الأعراف الآية (٦٥) وسورة الشعراء الآية (١٢٣)