ثمّ تشير إلى واحدة من النعم المعنوية المهمّة ، فتقول : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) ، وهذه إشارة إلى حادثة ذهاب موسى عليهالسلام مع جماعة من بني إسرائيل إلى مكان ميعادهم في الطور ، ففي ذلك المكان أنزل الله سبحانه ألواح التوراة على موسى وكلّمه ، وشاهدوا جميعا تجلّي الله سبحانه (١).
وأخيرا أشارت إلى نعمة ماديّة مهمّة من نعم الله الخاصّة ببني إسرائيل ، فتقول : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) ففي تلك الصحراء كنتم حيارى ، ولم يكن عندكم شيء من الطعام المناسب ، فأدرككم لطف الله ، ورزقكم من الطعام الطيّب اللذيذ ما كنتم بأمسّ الحاجة إليه.
وللمفسّرين بحوث كثيرة فيما هو المراد من (المنّ والسلوى) ، بيّناها في ذيل الآية (٥٧) من سورة البقرة ، بعد ذكر آراء المفسّرين الآخرين وقلنا : إنّه ليس من البعيد أن يكون «المنّ» نوعا من العسل الطبيعي كان موجودا في الجبال المجاورة لتلك الصحراء ، أو نوعا من السكريات المولدة للطاقة من نباتات خاصّة كانت تنمو في أطراف تلك الصحراء. والسلوى نوع من الطيور المحلّلة اللحم شبيها بالحمام. ولمزيد التوضيح راجع تفسير الآية (٥٧) من سورة البقرة.
ثمّ تخاطبهم الآية التالية بعد ذكر هذه النعم الثلاث العظيمة ، فتقول (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ).
الطغيان في النعمة هو أن يتّخذ الإنسان هذه النعم وسيلة للذنب والجحود والكفران والتمرّد والعصيان ، بدل أن يستغلّها في طاعة الله وسعادته ، تماما كما فعل بنو إسرائيل حيث تمتّعوا بكلّ هذه النعم ثمّ ساروا في طريق الكفر والطغيان والمعصية. ولذلك حذّرتهم الآية بعد ذلك فقالت : (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ
__________________
(١) الشرح المفصل لهذه الحادثة في سورة الأعراف ذيل الآيتين ١٥٥ ـ ١٥٦.