وأخيرا ماذا سيكون وضع المؤمنين والصالحين والكفّار والمسيئين فيه؟
هذه أسئلة أشارت الآيات والأحاديث السابقة إليها ، لهذا نجيب عنها حسبما يسمح به وضع هذا الكتاب.
تعني كلمة «البرزخ» في الأصل الشيء الذي يقع حائلا بين شيئين ، ثمّ استعملت لكلّ ما يقع بين أمرين. ولهذا أتت كلمة البرزخ للدلالة على عالم يقع بين عالم الدنيا والآخرة.
والدليل على وجود عالم البرزخ ، أو عالم القبر ، أو عالم الأرواح ، نجده في الأدلّة النقلية ، فقد دلّ عليه صريح آيات القرآن أحيانا وظاهرها أحيانا أخرى.
والآية موضع البحث (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ظاهرة في وجود عالم البرزخ. رغم أنّ البعث رغب في القول بأنّ كلمة «البرزخ» في هذه الآية تعني العائق والمانع من العودة إلى الدنيا ، غير أنّ هذا المعنى يبدو غريبا ، لأنّ عبارة (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) دليل على وقوع عالم البرزخ بين الدنيا والآخرة ، وليس بين الإنسان والدنيا.
ومن الآيات التي تصرّح بوجود مثل هذا العالم ، الآيات الخاصّة بحياة الشهداء ، مثل (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) الآية (١٦٩) من سورة آل عمران ، والخطاب فيها موجّه إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. أمّا الآية (١٥٤) من سورة البقرة فإنّها خطاب لجميع المؤمنين : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ).
وعالم «البرزخ» ليس للمؤمنين ذوي الدرجة الرفيعة كالشهداء فقط ، بل للكفّار الطغاة كفرعون وأعوانه أيضا ، وهذا ما صرّحت به الآية (٤٦) من سورة المؤمن (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ).
وذكرت آيات أخرى عالم البرزخ ولكن لا تصل إلى صراحة وظهور الآيات