والحافظ محيى الدين الطبرى وغيرهم. وأما حديث «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ...» (١) فلا دلالة فيه على النهى عن الزيارة بل هو حجة فى ذلك ومن جعله دليلا على حرمة الزيارة فقد أعظم الجرأة على الله تعالى ورسوله وفيه برهان قاطع على عبارة قائله وقصوه عن ذوق صافى العلم وقصوره عن نيل درجة كيفية الاستباط والاستدلال. والحديث فيه دليل على استحباب الزيارة من وجهين :
الأول : أن موضع قبره صلىاللهعليهوسلم أفضل بقاع الأرض وهو صلىاللهعليهوسلم أفضل الخلق وأكرمهم على الله تعالى لأنه لم يقسم بحياة أحد غيره وأخذ الميثاق (ق ٢٣٤) من الأنبياء بالإيمان به وبنصره كما فى قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ)(٢) الآية وشرفه بفضله على سائر المرسلين وكرمه أن ختم به النبيين ورفع درجته فى عليين.
فإذا تقرر أنه أفضل المخلوقين وأن تربته أفضل بقاع الأرض استحب شد الرحال إليه إلى تربته بطريق الأولى.
الوجه الثانى : أنه استحب شد الرحال إلى مسجد المدينة ولا يتصور من المؤمنين المخلصين انفكاك قصده عنه صلىاللهعليهوسلم وكيف يتصور أن المؤمن المعظم قدر النبى صلىاللهعليهوسلم يدخل مسجده ويشاهد حجرته ويتحقق أنه يسمع كلامه ثم بعد ذلك يسعه أن لا يقصد الحجرة والقبر ويسلم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذا مما لا احتسبه على أحد وكذلك لو قصد زيارة قبره لم ينفك قصده عن قصد المسجد.
ومن الدليل عن الزيارة الأحاديث الكثيرة الصحيحة فى فضل زيارة الإخوان فى الله تعالى فزيارة (ق ٢٣٥) النبى صلىاللهعليهوسلم أولى وأولى.
__________________
(١) ورد فى صحيح البخارى باب مسجد مكة ١ ، ٦ ، والصوم ٦٧ ، والصيد ٢٦ ، وصحيح مسلم باب حج ٤١٥ ، ٥١١ ، وباب مناسك ٩٤ ، وسنن الترمذى باب الصلاة ١٢٦.
(٢) ٨١ م آل عمران ٣.