والحكايات في مدة لا يحفظون بها عشر ذلك من النحو واللغة والفقه والحساب وغير ذلك.
فائدة أخرى : إن الإنسان يستفيد في مدة قصيرة من أخبار وحكايات الماضين ، وأحوال وعمران العالم والملوك والممالك ، استفادة لا تتيسر له عن طريق المشاهدة إلا بالأعمار الطويلة ، حتى ليكاد ـ وهو يتأمل التواريخ والقصص ـ أن يرى عيانا تلك الوقائع والحوادث ، وتستنشق روحه عبير رياحين تلك القصص والأخبار ، فيفرق بين التزوير والبهتان ، والغش والأسطورة ، فتدفع عنه كدورة الوحشة من منابع الوحدة ، وتزيل ظلمة انقسام الخاطر عن ساحات الراحات :
يزيل الاكتئاب وقد يؤدّي |
|
إلى كل امرئ ما غاب عنه |
وقد رووا أنّ عامر الشّعبيّ ـ وهو من علماء التابعين رحمة الله [١١] عليهم أجمعين ـ كان جالسا في مسجد مكة يحدث بأخبار مغازي المصطفى عليهالسلام ، وقد ازدحم الخلق على الحلقة التي يحدث فيها ، ممتعين الأسماع بحسن الاستماع ، تجللهم آثار الخضوع والخشوع ، وكان من بينهم جماعة من بقايا صحابة رسول الله صلوات الله عليه ورضي عنهم ، من الذين قسموا أوقاتهم بين العبادات الجسدية والروحية ، وشرفوا ب (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(١) ، والذين كانوا أنامل ساعد صاحب الشريعة ، ووابل سحائب صدر النبوة ، وأنجم أفلاك الديانة ، وسهام كنانة الفتوة والمروءة ، قالوا : لقد شاهدنا القوم ، والشّعبيّ أعلم بتلك المغازي منا (٢) ، أي : إننا قد نلنا سعادة حضور ومشاهدة تلك الغزوات ، ورأيناها رأي العين ، لكن أفكارنا لم تصل إلى وصف هذه الأحوال ، وعيوننا لم تدرك دقائق نور سهيل هذا الفلك ،
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية ١١٩.
(٢) في تاريخ مدينة السلام (١٤ / ١٤٦) «مر ابن عمر بالشّعبيّ وهو يقرأ بالمغازي ، فقال ابن عمر كأنه كان شاهدا معنا».