إذا هم نكصوا ، كانوا لهم عقلا |
|
وإن هم جمحوا ، كانوا لهم لجما (١) |
فإنهم يحفرون حول المدينة خندقا يحيطها كما تحيط الهالة القمر وقد سر المصطفى صلوات الله عليه من ذلك الكلام ، وقاس الواقعة التي هو فيها على الواقعة الماضية ، وأصدر أمره النبوي بحفر خندق يحيط بالمدينة بعرض عشرة أمتار وبعمق عشرة أيضا.
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر (٢)
ولأن المصطفى عليهالسلام ـ مع كونه نبيا رسولا ـ قد انتفع من تواريخ وأخبار الماضين ، واستضاء بمصابيح أفكارهم في دفع البلاء ، فإن على العالمين الاقتداء بالمصطفى سيد ولد آدم صلوات الله عليه ، وأن يستفرغوا وسعهم في الاغتراف من بحار التواريخ وأنوار القصص ، والاعتقاد بأن ما فعله المتقدمون في حفظ مصالحهم ، ينبغي أن يكون درسا للمتأخرين :
وريش الخوافي تابع للقوادم (٣)
فصل : وليس هناك من هو أشد حاجة لهذا العلم ـ التاريخ ـ من الملوك والأمراء ، لأن كل مصالح الخلق مرهونة بفكرهم ودرايتهم ، وكل ما يقع في الممالك من خير وشر ، فتدبيره ودفعه منوط بأوامرهم ؛ وهم بحاجة إلى معرفة الحوادث ، ووقائع الملك ، ومكائد الحرب ، والتدابير التي اتخذها الملوك السابقون ، كما يحتاج الأطباء إلى أصول ومعالجات وكتب المتقدمين ، والأدباء والفصحاء إلى كتب وتصانيف
__________________
(١) من قصيدة لأبي تمام في ديوانه (٢ / ٨٥) ، وفيه : «كانت لهم» في الصدر والعجز.
(٢) نسبه الجاحظ في البيان والتبيين (١ / ٣٠٩) لقس بن ساعدة الإيادي ، وهو كذلك في ثمار القلوب (ص ١٢٢) ومجمع الأمثال (١ / ١١١).
(٣) البيت لبشار بن برد (الأغاني ، ٣ / ٢١١) وفيه :
ولا تحسب الشورى عليك غضاضة |
|
فإن الخوافي عدة للقوادم |