الماضين والأسلاف :
ولن تبلغ العليا بغير التجارب (١)
ثم إن الملوك عند ما يتدبرون التواريخ أو [١٦] تبلغ مسامعهم ، يرغبون في مكارم الأخلاق والعدل والرأفة وما فيه دوام الملك ، ويجتنبون ما هو سبب في البلاء والضرر وزوال الملك :
والنفس راغبة إذا رغّبتها |
|
وإذا ترد إلى قليل تقنع (٢) |
ونخص بذلك الأمير أو الملك ذا الهمة العالية ، الذي تقتضي همته أن يزيد في تفحص فضائل الملوك الماضين ، وتحصل لديه الغبطة والمنافسة كما هو حاصل بين الأقران :
هي النفس ما حسّنته فمحسّن |
|
إليها ، وما قبّحته فمقبّح (٣) |
فصل : إذا عرضت لأحدهم شبهة أن بعض التواريخ موضوعات ومفتريات وأساطير الأولين ، وأن التمييز فيها عسير ، لا متزاج الصدق بالكذب ، واختلاط الغث بالسمين ، والصواب بالخطإ ، فالجواب على ذلك هو أنه لا ينبغي لنا أن نأخذ بعين التحقير والتصغير وقلة المبالاة أي شيء يمكن أن ننتفع به منه ـ من التاريخ ـ و «كل ما سد جهلا فهو محمود» (٤) ، فالحكايات التي وضعت على ألسن الحيوانات في كليلة
__________________
(١) من قصيدة لبشار بن برد في المدح (الأغاني ، ٢ / ٢١١) ، وهو :
فإنك لا تستطرد الهمّ بالمنى |
|
ولن تبلغ العليا بغير المكارم |
(٢) من عينية أبي ذؤيب الهذلي الشهيرة.
(٣) لدعبل بن علي الخزاعي في ديوانه ، ١٦٢.
(٤) عجز بيت لكلثوم بن عمرو العتابي (تاريخ مدينة السلام ، ١٤ / ٥١٩) ، وصدره : بث النوال ولا تمنعك قلته.