وأشار ابن جبير إلى قيام الأمير عثمان على رأس رجاله بحماية الحجاج من عبث الشعبيين الذين اتخذوا من المضيق الواقع بين مزدلفة وعرفات مكانا لمهاجمة الحجاج (١) وقد أجمعت المصادر المؤرّخة لتلك الفترة على ذلك (٢).
والملاحظ في رحلة ابن جبير اعتناؤه بالحديث عن مكة المكرمة دون المدن الأخرى الواقعة في منطقة الحجاز ، ولعل ذلك مرّده إلى طول إقامته بها.
الرحلات عقب ابن جبير :
إن المتتبّع لتاريخ الرحلات المغربية والأندلسية لمكة المكرمة يلاحظ انقطاع تدوينها بعد ابن جبير منذ سنة ٥٧٩ ه / ١١٨٣ م ولعل هناك رحلات مدوّنة ، ولكن لم يعثر عليها بعد. وعلى العموم استمّر الانقطاع إلى زمن ابن رشيد حيث قام برحلته المعروفة سنة ٦٨٤ ه / ١٢٨٥ م ، ونستنتج من خلال ما أورده تغّير الأحداث في سنة ٦٨٤ ه / ١٢٨٥ م ، إذ خضعت مكة المكرمة لحكم أسرة جديدة معروفة بأسرة بني قتادة ، وهم أشراف من ذريّة الحسن ابن علي (٣) أيضا.
وأمّا فيما يتعلق بأحداث العالم الإسلامي فقد سقطت الخلافة العباسية ببغداد سنة ٦٥٦ ه / ١٢٥٨ م على أيدي التتار. ولم تلبث أن انتقلت إلى الديار المصرية سنة ٦٥٩ ه / ١٢٦٠ م وسيطرت دولة المماليك على السلطة في مصر (٤). لم يعن ابن رشيد كثيرا بتسجيل الحالة السياسية في الحجاز بصفة عامة ومكة المكرمة بصفة خاصة كسابقه ؛ ولكنه أشار إلى اسم أمير مكة المكرمة في ذلك الوقت ؛ وهو الشريف أبو نمي محمد بن أبي سعد الحسني.
وأن الأوضاع في المشاعر المقدسة غير آمنة بسبب تعرّض بني شعبة للحجيج
__________________
(١) ابن جبير : الرحلة ، ص ١٥٠.
(٢) مثل ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٢ ، ص ٥٤٩.
(٣) ابن خلدون : العبر ، ج ٤ ، ص ١٠٥.
(٤) الذهبي : دول الإسلام ، ج ٢ ، ص ١٦٥ ؛ ابن دقماق : الجوهر الثمين ، ج ١ ، ص ٢٢٠ ، ٢٢٣ ، ج ٢ ، ص ٥٢ ؛ السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص ٤٣٨.