التجيبي السبتي وبلاد الحجاز :
وصل التجيبي إلى مكة المكرمة سنة ٦٩٦ ه / ١٢٩٦ م خلال حكم أبي نمي لها ، وأشار إلى مدى إحكامه السيطرة على الأوضاع فيها ، والتحصينات التي أعدها لمواجهة أعدائه. ومن ذلك الحصن الذي شاهده التجيبي ويدعى بالجديد في مكان يسمى البرابر (١).
ومما ذكره التجيبي عن أبي نمي نستشف منه أنه قد وقعت بينه وبين الأشراف خلافات أدّت إلى حروب كثيرة. اضطر لخوضها في سبيل تدعيم سلطته على البلاد ، وفي سبيل ذلك أنفق الأموال الكثيرة ، وقام ببيع الصفائح الفضية المستخدمة في تزيين أعمدة الكعبة ، علاوة على ما بجسده من آثار ضرب السيوف وطعن الرماح (٢). الدالّة على كثرة الحروب التي خاضها من أجل تثبيت حكمه.
ولهذا انعكست آثار تلك الحروب على مكة المكرمة وأدّت إلى عدم استقرار الأوضاع فيها كما أشار بعض المؤرخين إلى ذلك (٣).
ونلمس حرص التجيبي على إتمام صورة الحالة السياسية لمكة المكرمة في رحلته. حيث أنه لم يكتف بما قاله عن أوضاعها وقت وجوده فيها ، إضافة إلى ما سمعه وشاهده ؛ بل عمد إلى تقصّي الحقائق السابقة لبداية حكم أسرة بني قتادة ، مشيرا إلى أنّ ولاية أبي عزيز قتادة بن إدريس الحسني (٤) جدّ
__________________
(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٢٢ ؛ (البرابر) عين كانت جارية بمرّ الظهران. انظر البلادي : معجم معالم الحجاز ، ج ١ ، ص ١٩٦.
(٢) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٢٥٨ ، ٣٠٥ ـ ٣٠٦.
(٣) ابن خلدون : العبر ، ج ٤ ، ص ١٠٦ ـ ١٠٧ ؛ الفاسي : العقد الثمين ، ج ١ ، ص ٤٥٦ ـ ٤٧١ ؛ ابن فهد : إتحاف الورى ، ج ٣ ، ص ٧٦ ـ ١٢٦ ؛ الجزيري : الدرر الفرائد ، ج ١ ، ص ٥٩٨ ـ ٦١١.
(٤) قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله ابن محمد ابن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب يكنّى أبا عزيز الينبعي المكي صاحب مكة وينبع وغيرها من بلاد الحجاز ، ولي مكة المكرمة عشرين سنة أو نحوها على خلاف في مبدأ ولايته هل هي سنة ٥٩٧ ه أو ٥٩٨ ه / ١٢٠٠ أو ١٢٠١ أو ١٢٠٢ م ، ملك ينبع وصارت له على قومه رئاسة فجمعهم ، وملك بهم وادي الصفراء ، وطمع في إمرة مكة المكرمة فملكها من الأمير مكثر بن عيسى ، وحارب أمير المدينة سالم بن قاسم الحسيني ، وكان أبو عزيز في بداية أمره حسن السيرة صافي السريرة ، ولكن تغّيرت حاله وساءت معاملته للحجاج ، وأكثر المكوس والتغريم بمكة ، كان أديبا شاعرا توفّي سنة ٦١٧ ه / ١٢٢٠ م بمكة. انظر الفاسي : العقد الثمين ، ج ٧ ، ص ٣٩ ـ ٦١.