ولا يعني أن كل ما ورد ذكره في رحلته عن حالة مكة المكرمة السياسية يمكن الأخذ به ، بل وجدنا معلومات احتاجت منا إلى بيان ورد إيضاحه في مكانه. ولا يتنافى ذلك مع إيراده لأحداث ووقائع لم ترد في كافة المصادر التاريخية أشار إليها أصحابها دون تفصيل ووضحت الصورة أكثر بما أورده التجيبي حولها ؛ إذ أفاض في كيفية وصول الحكم لأبي نمي. ولم يكتف بنقله لما سمعه من أحداث. ؛ بل ذكر ما شاهده وسمعه هو أيضا ، فساعد في إكمال صورة الحالة السياسية في تلك الفترة. وهنا تبرز أهميته كمصدر معاصر لبعض الأحداث السياسية في مكة المكرمة.
ولا شك أن حرص التجيبي على تقصيّ أوضاع مكة المكرمة السياسية في رحلته استمّر حتى عقب عودته إلى وطنه ، عند ما أعاد تنقيح وكتابة مؤلّفه.
ومما قاله لإكمال هذه الناحية بعد أن أشار إلى ولاية العهد لرميثة (١).
ذاكرا أنه بعد وفاة الشريف أبي نمي بعث ملك مصر والشام الملقّب بالناصر ابن المنصور جملة من العسكر في القافلة المصرية فقبضوا على رميثة وحميضة (٢) وقّيدهما وأنزلوهما إلى مصر ، فاعتقلهما بالقاهرة المعّزية ، وولّى أمر مكة المشرّفة وجهاتها لأخيهما أبي الغيث (٣) فسرّ الناس بذلك لحسن سيرته وخوفا من أن يصيبه مثل ما أصاب أخويه.
__________________
(١) رميثة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس الشريف أبو عرادة أمير مكة المكرمة وليها نحو ثلاثين سنة وأزيد في سبع مرات وكانت وفاته يوم الجمعة ثامن ذي القعدة سنة ٧٤٦ ه / ١٣٤٥ م. انظر ابن تغري بردي : الدليل الشافي ، ج ١ ، ص ٣٠٦.
(٢) حميضة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد حسن الشريف عز الدين المكي الحسني أمير مكة ولي إمرتها إحدى عشرة سنة ونصف في أربع مرات إلى أن قتل بمكة في جمادى الآخرة سنة ٧١٠ ه / ١٣١٠ م. انظر المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٧٩.
(٣) ابو الغيث بن أبي نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الأمير عماد الدين الشريف الحسني المكي أمير مكة وليها في موسم سنة ٧٠١ ه / ١٣٠١ م شريكا لأخيه عطيفة ثم عزل في موسم سنة ٧٠٤ ه / ١٣٠٤ م بأخويه رميثة وحميضة ثم وليها في سنة ٧١٣ ه / ١٣١٣ م ووصل مكة بجيش كبير وخرج أخواه رميثة وحميضة منها ثم عجز عن مؤونة الجيش فسرّحهم ، فتوجّه إليه حميضة وانهزم أبو الغيث إلى وادي نخلة وكان ذلك في رابع ذي الحجة سنة ٧١٤ ه / ١٣١٤ م. انظر المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٧٩ ـ ٨٠.