كما أشار إلى أن أهل مكة المكرمة كانوا يثنون على رميثة في ذلك الوقت ، أي قبل تولّيه إمارة مكة المكرمة ، ويبدو أنها سياسة سار عليها في سبيل الوصول للإمرة ، وما أن تحقّق له ذلك حتى انقلبت الأمور وأساء السيرة في الناس.
وتميز حميضة بالشجاعة والإقدام والكرم إلا أنه كان ميّالا للثورة ، حتى هابه المجاورون بسبب قوّته وقوة أعوانه من شرار الناس وسّراق الحجيج وكانوا يرون أنّ الأمر لا يتمّ معه لرميثه (١).
ويتبين لنا أن ما أورده التجيبي قد وقع فعلا بسبب اختلاف السيرة بين الأخوين ، لذا عمل الناصر على القبض عليهما ، ثم أعادهما إلى مكة المكرمة ، وقام حميضة بتولّي أمورها والإحسان إلى الرعّية (٢).
وقد أيّد العصامي ما ذكر من تولية حميضة ورميثة الحكم بعد وفاة أبيهما واستمرارهما شريكين في الإمرة إلى أن وصل الحجّاج وكان بصحبتهم ثلاثون أميرا فتوجّه أبو الغيث وعطيفة (٣) بالشكوى إليهم من حميضة ورميثة وأنهما أحق بالملك منهما ، فمال الأمراء إلى جانبيهما وعقب انتهاء موسم الحج قام الأمراء بتولية أبي الغيث وعطيفة شؤون البلاد وحملوا رميثة وحميضة أسيرين إلى مصر فظلا بها إلى سنة ٧٠٣ ه / ١٣٠٣ م ولكنّهما لم يلبثا أن عادا إلى حكم البلاد عام ٧٠٤ ه / ١٣٠٤ م بالعدل وحسن السيرة وقاما بإسقاط بعض المكوس عن الناس (٤).
وأشار التجيبي إلى ذلك ولكنه لم يذكر مشاركة عطيفة لأبي الغيث في الحكم ، وكذلك اشتراك رميثة وحميضة ، بل نستنتج ذلك من خلال أقواله بالمقارنة مع أقوال المؤرخين.
__________________
(١) التجيبي : مستفاد الرحلة ، ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧.
(٢) المصدر السابق ، ص ٣٠٦.
(٣) عطيفة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الأمير سيف الدين الشريف الحسني المكي أمير مكة وليها مدة طويلة شريكا لأخيه رميثة ثم مستقلا بها ، مات خارج القاهرة بالقبيبات ودفن فيها في سنة ٧٤٣ ه / ١٣٤٢ م. انظر ابن تغري بردي : الدليل الشافي ، ج ١ ، ص ٤٤٣.
(٤) العصامي : سمط النجوم العوالي ، ج ٤ ، ص ٢٢٧.