ونجد أن المصادر التي بين أيدينا قد سكتت عن هذه العلاقة ، ولم ترد إشارة إلى ذكر أبي سعيد في الخطبة والدعاء له في تلك السنة. غير أن الفاسي ذكر خبر سفر أحمد إلى العراق مقتضبا (١).
وربما يكون قد حدث خطأ في كتابة السنة لدى هؤلاء المؤرخين ، خاصة لبعدهم عن الحدث ، في حين أن ابن بطوطة شاهد عيان لما حدث. أو أنّه دعي له مرتين مرة سنة ٧١٧ ه / ١٣١٧ م ومرة سنة ٧٢٨ ه / ١٣٢٧ م وفي المرة الأولى ذكرها المؤرّخون ، وأما الثانية فقد أغفلوا ذكرها. واستدرك ريتشارد مورتيل قائلا : " إنه ليس ببعيد أن السلطان أبا سعيد كان يترقّب الوقت المناسب لتحدي سيطرة المماليك على إمارة مكة المكرمة ، وخاصة أنه كان بين أشراف مكة المكرمة من يؤيّده" (٢).
وإذا كان ابن بطوطة قد تحدّث عن علاقة أشراف الحجاز وخاصة أمراء مكة المكرمة بالمماليك والإمارات الإسلامية الأخرى التي أشار إليها بعض المؤرّخين ، إلّا أن ابن بطوطة انفرد بإلقاء الضوء على علاقات أخرى أفاض في وصفها ؛ وهي علاقة الأشراف بسلطان مصر الملك الناصر ، والتي اتّضح منها عمق علاقته بمكة المكرمة حتى امتدت إلى قضاتها الذين ارتبطوا معه بصلات جيّدة. حيث كانت صدقاته وصدقات أمرائه تصل إلى يد قاضي مكة المكرمة نجم الدين محمد بن الإمام محيى الدين الطبري وكيله ، والذي تولى توزيع أعطياته على أشراف مكة المكرمة وكبرائها وفقرائها ، وخدم الحرم الشريف ، وجميع المجاورين.
وبالرغم من قوّة الصلة بين سلاطين المماليك في مصر وأمراء مكة المكرمة إلا أنّ صلتهم بملوك اليمن كانت قويّة أيضا وقد أشار ابن بطوطة إلى الدعاء لسلطان بني رسول وذكر اسمه بعد الدعاء للسلطان المملوكي (٣). مما
__________________
(١) الفاسي : المصدر السابق ، ج ٣ ، ص ٤٠ ـ ٤١.
(٢) ريتشارد مورتيل : الأحوال السياسية والاقتصادية بمكة في العصر المملوكي ، ص ٨٣.
(٣) ابن بطوطة : الرحلة ، ص ١٤٩ ، ١٦١.