يدل على سياسة الموازنة التي اتبعها أمراء مكة المكرمة للمحافظة على علاقتهم ببني رسول باليمن وسلاطين المماليك في مصر ، إلّا أنّه يبدو أن علاقتهم بمصر قد شابها نوع من الفتور ، عقب فتنة أشار إليها ابن بطوطة في حديثه عن علاقة الملك الناصر بأمراء مكة المكرمة الأشراف ، إذ حدث في عام ٧٣٠ ه / ١٣٢٩ م أثناء موسم الحج خلاف بين أمير مكة عطيفة وبين أيدمور أمير جندار الناصري (١) بسبب قيام تجار من أهل اليمن بالسرقة ، فرفع الأمر إلى أيدمور الذي أو عز لمبارك ابن الأمير عطيفة بإحضار اللصوص ، فاعتذر عن ذلك لعدم معرفته بهم. ولعل في هذا إشارة إلى عدم رضى أمير مكة المكرمة عن تدخل أيدمور في شؤون مكة المكرمة وخاصة الحجاج اليمنيين حفاظا على علاقة مكة المكرمة وأهل اليمن. وأما في حالة وقوع سرقة لأهل مصر والشام فقد تكفّل أمير مكة المكرمة بحّل الأمر فلم يرض ذلك أيدمور وشتمه وقيل تطاول عليه بضرب ودفع لأمير مكة المكرمة ، فوقع ووقعت عمامته فأثار غضب الناس عليه ، ثم ركب أيدمور متوجها نحو عسكره ، فلحقه مبارك وأتباعه فقتلوه هو وولده ، فوقعت الفتنة بالحرم ، وتصادف فيه وجود الأمير أحمد قريب الملك الناصر ، وتدخّل الترك في القتال فقتلوا امرأة قيل إنها عملت على تحريض أهل مكة المكرمة على القتال ، واشتدت الفتنة ، وحاول القاضي وأهل مكة إيقاف ما حدث وعقد الصلح ودخل الحجاج مكة المكرمة فأخذوا أمتعتهم ورحلوا إلى مصر. وبلغ الخبر الملك الناصر فاستاء لذلك ، وسيرّ عساكره إلى مكة المكرمة ففّر الأمراء عطيفة وابنه مبارك ورميثة وأولاده إلى وادي نخلة ، فلما وصلت عساكر الناصر إلى مكة المكرمة بعث الأمير ابنا له بطلب الأمان ،
__________________
(١) ألدمر أحد الأمراء بالقاهرة في الأيام الناصرية كان أمير جندار وحج بالناس فثارت بمنى فتنه فقتل فيها هو وولده خليل في يوم عيد النحر سنة ٧٣٠ ه / ١٣٢٩ م. ومن العجب أن الناس تحدثوا بالقاهرة بما جرى له يوم العيد سواء. أنظر ابن حجر : الدرر الكامنة ، ج ١ ، ص ٤٠٧. ونجد هنا اختلافا في موعد وقوع الفتنة ومكانها كما وجد اختلاف في اسمه بين المؤرخين الذين تناولوا هذه الحادثة.