كما أن ياقوت الحموي بعد أن سرد رحلة سلام قال" : قد كتبت من خبر السد ما وجدته في الكتب ولست أقطع بصحة ما أوردته لاختلاف الروايات فيه والله أعلم بصحته فليس من صحة أمر السد ريب وقد جاء ذكره في الكتاب العزيز" (١).
ولا ريب أن كثرة الروايات واختلافها جعلها مثار شك لدى ياقوت. وإن كان ما أورده عن رحلة سلام موافقا في معظمه لما ذكره ابن خرداذبه.
ومجمل الرحلة كما أوردها ابن خرداذبه أن الخليفة الواثق رأى في منامه كأنّ السد الذي يحجز يأجوج ومأجوج قد انفتح. ووقع اختياره على سلام الترجمان كرجل يصلح لمهمة الاستطلاع فهو كما يقال : " يتكلم بثلاثين لسانا" فجهزه بكل ما يحتاجه وأمره بالخروج بعد أن زوده بكتب توصية لكل الملوك والأمراء الذين تقع مماليكهم في طريقه لتسهيل مهمته. وقد وصف سلام جميع ما مر به في رحلته إلى أن وصل إلى مكان السد وأتم مهمته وتأكد أن السد لا يزال سليما ، فعاد إلى سر من رأى. وكان من وقت خروجه إلى وقت عودته ثمانية عشر شهرا (٢).
وقد حفل وصف سلام بالكثير من الغرائب التي اختلط بها الكثير من الأساطير المنتشرة هناك ، وأوردها على أنها حقيقة مما جعلها مثار شك كبير لدى من تعرض لذكرها. ولكن مجيء ذكر الرحلة بألفاظ سلام في كتاب ابن خرداذبه يوحي بأن الرحلة قد حصلت فعلا لاعتماده على ما ورد في الكتاب المقدم للواثق بالله.
__________________
(١) ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ٢٠٠.
(٢) ابن خرداذبه : المسالك والممالك ، ص ١٦٢ ـ ١٦٩ ؛ القزويني : آثار البلاد وأخبار العباد ، ص ٥٩٧ ـ ٥٩٩ ؛ ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ـ ٢٠٠ ؛ زكي محمد حسن : الرحالة المسلمون في العصور الوسطى ، ص ١٥ ـ ١٨ ؛ على محسن عيسى مال الله : أدب الرحالة عند العرب في المشرق ، ص ٣١ ـ ٣٤ ؛ أحمد رمضان أحمد : الرحلة والرحالة المسلمون ، ص ٣٨ ـ ٤٠.