رحلة ابن فضلان :
ويبدو أن سبب هذه الرحلة هو رغبة ملك الصقالبة (١) وقومه في فهم التعاليم الإسلامية الصحيحة. فبعث إلى الخليفة العباسي المقتدر بالله (٢) طالبا انتداب بعض من رجاله لتلك المهمة إلى جانب العناية بتشييد مسجد ومنبر وحصن يمتنع به ضد أعدائه المشركين (٣). فلبى الخليفة العباسي دعوته وبعث إليه بعثة عباسية كان من ضمنها ابن فضلان الذى أحسن القيام بالمهمة الموكلة إليه على أكمل وجه (٤).
ومما يدل على ما للخليفة من مكانة روحية لدى الملوك ، طلب ملك الصقالبة منه بناء مسجد وإقامة منبر للدعوة وتشييد حصن لحمايته من أعدائه مع تزويده ببعض الأدوية (٥).
ولم تسعفنا المصادر بالكثير من المعلومات عن الأحوال السياسية لتلك المملكة ، وإن كان ابن فضلان قد أشار إلى طرف من ذلك ذاكرا أن اليهود كانوا يشكلون خطرا عليهم ويثقلون كاهل الشعب بالضرائب الباهظة مع إلزام الأمراء والملوك المسلمين بتزويج بناتهم لأبناء اليهود (٦).
__________________
(١) (الصقالبة) بلاد بين البلغار والقسطنطينية وهم أجناس مختلفة ولهم ملوك فمنهم من ينقاد إلى دين النصرانية اليعقوبية ومنهم من لا كتاب له ولا شريعة وهم جاهلون وفي بلاد الخزر صنف كثير منهم ومن ملوك الصقالبة ملك الفرنج ويليه في المكانة ملك الترك وكانوا قبلا ينقادون جميعا لملك واحد وعند ما اختلفت كلمتهم صار كل ملك برأيه. انظر المصدر السابق ، ج ٣ ، ص ٤١٦.
(٢) جعفر بن أحمد بن طلحه أبو الفضل المقتدر بالله ابن المعتضد ابن الموفق خليفة عباسي ولد ببغداد سنة ٢٨٢ ه / ٨٩٤ م وبويع بالخلافة بعد وفاة أخيه المكتفي سنة ٢٩٥ ه / ٩٠٧ م فأستصغره الناس وخلعوه سنة ٢٩٦ ه / ٩٠٨ م ونصبوا عبد الله بن المعتز ثم قتلوه وأعادوا المقتدر بعد يومين وطالت أيامه وكثرت فيها الفتن وخلع مرة ثانية وبايعوا القاهر ثم أعادوه وكان ضعيفا مبذرا أستولى على الملك في عهده خدمه ونساؤه وخاصته وفي أيامه خلع أبو طاهر القرمطي الحجر الأسود وقتل المقتدر في ثورة سنة ٣٢٠ ه / ٩٣٢ م. انظر ابن دقماق : الجوهر الثمين ، ج ١ ، ص ١٦٦ ـ ١٧٢.
(٣) أحمد بن فضلان : رحلة ابن فضلان في وصف بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة سنة ٢٠٩ ه / ٩٢١ م ، ص ٦٧ ـ ٦٨ ؛ ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٤٨٦.
(٤) ابن فضلان : رحلة ابن فضلان ، ص ٦٧ ـ ٦٨.
(٥) المصدر السابق والصفحة.
(٦) المصدر السابق ، ص ١٤٥ ؛ عبد الرحمن حميدة : أعلام الجغرافيين العرب ، ص ١٩٩.