وتطرق ابن فضلان لوصف عادات أهل خوارزم في الكرم وحسن الضيافة وإيواء الأغراب ، خصوصا في أوقات الشتاء ومساعدة المحتاجين بايوائهم وتدفئتهم وإطعامهم. وهو أمر شائع في القرى. كما تميزت طرقاتها بتجمدها شتاء وعقب انتهائه يصيبها الوحل ويتعذر السير فيها (١).
وتناولت الرحلة أيضا وصف قطر آخر من بلاد الترك وهي باشغرد (٢) فقال : بأنهم شر الأتراك وأقذرهم وأشدهم إقداما على القتل مما يستوجب الحذر منهم. كما تميزوا بأكلهم للقمل. وأما آلهتهم فمتعددة : منها الحيات والأسماك والكراكى (٣). وقد استغرب ابن فضلان من عبادتهم له ، فلما استفسر عن ذلك قيل أن هذا الطائر كان سببا في انتصارهم ضد أعدائهم في إحدى المعارك مما جعله موضع التقدير والعبادة لديهم.
وحرص ابن فضلان في رحلته هذه على تدوين كل ما مر به ، وخاصة استقبال البعثة العباسية والنواب المكلفين بذلك. في حين قام ملك الصقالبة بلقائهم خارج المدينة على بعد فرسخين (٤) منها (٥).
وقد نقل إلينا ابن فضلان صورة لما كان عليه مجلس ملك الصقالبة ، حيث كان الملك يتصدر المجلس وإلى جواره زوجته ثم الملوك والأمراء عن يمينه وأولاده بين يديه. وعند ما حانت ساعة الطعام خصت مائدة لكل شخص احتوت على اللحم المشوى. أما شرابهم عقب الأكل فهو العسل. ومن عادة حضور مجلس الملك خلع قلنسواتهم من فوق رؤوسهم ، كما امتدت هذه العادة إلى العامة أيضا عند مشاهدتهم له.
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ٨٣ ـ ٨٥.
(٢) (باشغرد) تنطق بالغين والقاف وهي بين القسطنطينية وبلغار وقد ذكر رجل من أهلها لياقوت عند ما سأله عن المسافة بين بغداد وبينها قال من هنا إلى القسطنطينية شهرين ونصف ومن القسطنطينية نحو ذلك وهم يعبدون آلهة شتى. أنظر ياقوت الحموي : معجم البلدان ، ج ١ ، ص ٣٢٢ ـ ٣٢٣.
(٣) (الكركي) نوع من الطيور والجمع كراكي. انظر ابن منظور : لسان العرب ، ج ١٠ ، ص ٤٨١.
(٤) (الفرسخ) : يساوى ثلاثة أميال ـ ١٨٤٠ مترا والميل ٦١٥ مترا. انظر أحمد رمضان أحمد : الرحلة والرحالة المسلمون ، ص ٦٠ ـ ٦١ ، هامش ١.
(٥) ابن فضلان : رحلة ابن فضلان ، ص ١٠٨ ـ ١٠٩ ، ١١٣.