وقد أسهم ابن فضلان في حث أهل تلك المناطق على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ؛ وتمثل ذلك في محاولته القضاء على عادة اختلاط العامة من رجال ونساء عند الاستحمام في الأنهار ، كما نهى عن إقامة الدعوة على المنابر للملك بقولهم" اللهم أصلح الملك بلطوار ملك البلغار" إذ الملك هو الله ولا يجوز الدعوة به لأحد على المنابر فانصاع حاكم البلغار لذلك وأطلق على نفسه اسم جعفر تيمنا باسم الخليفة العباسي المقتدر بالله (١).
ويدل تسمي ملك البلغار بجعفر تقليدا لاسم الخليفة المقتدر بالله على نظرة الإكبار والإجلال للخليفة العباسي وتأكيد على اعتناقه الإسلام عن اقتناع وفهم لكل ما يتعلق به. ومما يدل على ذلك ما رواه ابن فضلان عن لسان ملك الصقالبة عند سؤاله عن سبب طلباته من الخليفة العباسي مع ما عليه مملكته من الاتساع وكثرة الأموال فقال" رأيت دولة الإسلام مقبلة وأموالهم يؤخذ من حلها فالتمست ذلك لهذه العلة ولو أني نويت أن أبني حصنا من أموالي من فضة أو ذهب لما تعذر ذلك علي وإنما تبركت بمال أمير المؤمنين فسألته ذلك" (٢) ومن مميزات الحياة الاجتماعية في بلاد البلغار عدم وجود ظاهرة الزنى أو السرقة ففاعلها عقابه الموت (٣). أما عاداتهم في الزواج فالمشهور عندهم هو خروج البنات الأبكار حاسرات الرأس ومن كانت له رغبة في إحداهن ألقى على رأسها خمارا ولا يمنع منها ، وقد يتزوج الشخص الواحد أكثر من عشرين امرأة (٤).
وقد حفلت الرحلة بوصف دقيق لمظاهر الدفن ومنها مراسيم دفن زعيم روسي ، وعلى ضوء ذلك استطاع أحد رسامي القرن التاسع عشر رسم صورة حية لتلك المظاهر اعتمادا على وصف ابن فضلان (٥) كما تطرق أيضا للناحية
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ١١٥ ـ ١١٨ ، ١٣١ ، ١٣٤.
(٢) ابن فضلان : رحلة ابن فضلان ، ص ١٤٦.
(٣) المصدر السابق ، ص ١٥٥.
(٤) القزويني : أثار البلاد وأخبار العباد ، ص ٦١٦.
(٥) ابن فضلان : رحلة ابن فضلان ، ص ١٥٧ ـ ١٦٣ ؛ أحمد رمضان أحمد : الرحلة والرحالة المسلمون ، ص ٤٦ ـ ٤٧ ؛ زكي محمد حسن : الرحالة المسلمون في العصور الوسطي ، ص ٣٠ ـ ٣١.