واجتمعنا به بكرة الجمعة في بستانه بر (١) الغلطة ، فحصل منه غاية التعظيم ، ونهاية التبجيل والتكريم ، وتلقاني [٦٨ أ] إلى خارج الدار ، وهو مظهر للسرور والاستبشار ، فبادر كل منّا لصاحبه وسابق ، وصافح واستلم والتزم وعانق ، وحيّا بأطيب السلام ، ووانس بأعذب الكلام ، وسألني عن جماعة من أهل الشّام ، وترحّم وترضّى على سيّدي شيخ الإسلام ، وتألم لفراقه وتوجّع ، وحوقل لتلك المصيبة واسترجع (٢) ثم قال : هو باق وسره ما فات ، فإن من خلّف مثلك ما مات ، فإنك نعم الخلف ، كما كان رحمهالله نعم السلف ، ونعتني بالعلم والفضل التام ، وشهّرني بذلك عند الخاص والعام (٣) ، وسألني ابتداء منه فيما لنا من الحاجات والأشغال ، لتقضى بإذن الله تعالى على أكمل الأحوال ، والله تعالى هو المأمول (٤) ، في المقاصد كلّها والمسؤول ، في قضاء الحاجات جلّها وقلّها ، وسألني عن محل النزول فقلت له الآن في عمارة السّلطان محمد ويريد مولانا السيّد أن ينزلنا عنده ؛ فقد أخلى لنا مكانا حسنا وأفرد ، فقال : [٦٨ ب] تقدّمنا السيّد وسبق ، وإلّا فنحن كنا بذلك أحق. وحصل منه من التواضع والرقة ما لا يعبر عنه ولم يصدر في حق أحد غيرنا منه. ولله تعالى الحمد أهل الثناء والمجد ، ثم اجتمعت به ببيته بالمدينة ثاني مرّة ، فبالغ في الإكرام والمبرّة ، وأظهر غاية البشر والمسرّة ، وأهديت له مهاداة الأحباب ، مصحفا معظّما بخطّ ابن البوّاب ، وبردة لطيفة ، وسبحة بلّور ظريفة ، فقابل ذلك بالإقبال والقبول والتقبيل ، وأنزل منزلة الكثير ذلك النزر القليل ، وقرأ في المصحف في أماكن عدّة ، ثم قرأ بعض أبيات من البردة ، وسألني عن معناها ، فأجبته بأجوبة ارتضاها ، وسألني : هل المعوذتان من القرآن قطعا أو هما من قبيل التعوّذ؟ فقلت له :
__________________
(١) وردت في (ع): «بين» ، والغلطة على ما ذكر ابن بطوطة هي القسم الثاني من القسطنطينيّة ، والقسم الأول يدعى اصطنبول يفصل بينهما نهر يسمى أبسمي ، والغلطة بالعدوة الغريبة من النهر وهو خاص بنصارى الافرنج يسكنونه. انظر : تحفة النظّار ٢ : ٢٥١.
(٢) الحوقلة هي قول : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ، والاسترجاع قول : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون».
(٣) وردت في (ع): «العالم».
(٤) وردت في (ع) مصحفة : «المأمور».