والأمتعة ، وأقمنا هنالك في أنزه مكان إلى وقت الصلاة من يوم الجمعة ، فصلّيناها في مسجد البلد الجامع ، وهو مسجد متسع لكل أهل البلدة جامع ، إذ لا جمعة بها في سواه ، ولا خطبة فيما عداه ، [١١٤ أ] فوجدناه مسجدا عتيقا فضيا أنيسا أنيقا ، ذا أبنية متينة وعمارة مكينة (١) ، وهو مرتفع في أعلى المدينة ، يصعد إليه ويرقى في أطول طريق وأرفع مرقى ، وأمّا خطيبه ففي الأسمال (٢) غاية ، وفي الإعجام آية ، وفي التبديل والتحريف نهاية ، مع ما يضاف إلى ذلك كما قيل من سوء الاعتقاد وتبديل القرآن كالنطق بالظاء مكان الضاد ، وذكره أحاديث لا نعرفها ، وصدور ترّهات (٣) منه لا نقدر نصفها ، فقضينا ببطلان تلك الصلاة ، وقضيناها ظهرا ولا قوة إلّا بالله ، ولما قضيت الصلاة انتشرنا في أرض تلك البلدة وأضافنا من الأصحاب بها عدّة ، فلم نزل نجوب (٤) في أطرافها ، ونجول في أكنافها ، ونتفرج في مفترجاتها ، ونتنزه في متنزهاتها ، وقد أخذت الأرض زخرفها وازينت ، وبيّنت (٥) من صنعة الله وصبغته ما بيّنت ، فغدت تتبرّج في ملابس عبقرية ، وتتأرّج بأنفاس عنبرية ، وتشمخ على غيرها من البلدان (٦) بارتفاعها ، وتفتخر [١١٤ ب] على مجاوريها بحصانتها وامتناعها ، وتزهو بطيب هوائها ومائها ، وتسمو بجدّة رونقها وقدم بنائها (٧) ، وتستحل طيب فواكهها ، وتستجل عرائس منازهها (وتقسم بعلو هضابها أن لا تفوز الثريا برشف رضابها) (٨) وقد استدار بها البحر استدارة السوار بالزند ، وألبس ذلك الجسم حلل العرار والرند ، وركب خلائق الوهد على ذلك النجد ، وكتب بخضاب الربيع على نقاء ذلك النهد ،
__________________
(١) وردت هذه العبارة في (ع): «ذا أبنية مثبتة ، وعمارة مكفّتة».
(٢) وردت في (ع): «الأعمال».
(٣) وردت في (ع): «برهان».
(٤) وردت في (ع): «نحول».
(٥) وردت في (ع): «نبتت».
(٦) وردت في (م): «الأراضي».
(٧) وردت في (ع): «نباتها».
(٨) ما بين القوسين ساقط من (ع).