فضاقت الأرض والنفس والمعيشة ، وناوشت كلاب المزابل أسد (١) بيشة ، فتعينت الرّحلة عن المملكة فضلا عن البلد ، وحسنت مفارقة النفس فضلا عن [٣ أ] الأهل والولد : [من البسيط]
ولا يقيم على ضيم يسام به |
|
إلّا الأذلّان عيرا الحيّ والوتد |
إنّ الهوان حمار الدار يألفه |
|
والحرّ ينكره والفيل والأسد (٢) |
هذا على الخسف مربوط برمّته |
|
وذا يشجّ فلا يرثى له أحد (٣) |
فاستعذت بالله من العجز والكسل ، ورفضت التعلل بعسى ولعل ، ولبست جلباب العزم ، وامتطيت مطية الحزم (٤) ، وأدخلت على معتل التواني حرف الجزم ، وجزمت على ترك الدّعة والسكون أيّ جزم ، وأخذت في إعداد الأهبّة وارتياد الصحبة ، إلى أن كمل الاستعداد ، وحصلت الراحلة والرفقة والزاد ، وخرجت من مدينة دمشق المحروسة ، ومن المنازل والديار المأنوسة ، عصر يوم الاثنين المكرّم ، ثامن عشر شهر رمضان المعظم ، سنة ست وثلاثين وتسعمائة ، وصحبني من الخدم والرفاق والأصحاب فئة صحبة قاضي القضاة ولي الدّين ابن الفرفور (٥) ، (وقد حصل عنده
__________________
(١) وردت في (ع): «أشد» وبيشة مأسدة معروفة وتسمى بيشة السماوة قال الشاعر :
كأنا أسد بيشة أو ليوث |
|
بعثر أو منازلها بواء |
انظر : معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري ١ : ٢٨٢ ، ٢٩٤.
(٢) أضيف هذا البيت على الهامش في (م) وسقط من (ع).
(٣) الأبيات في محاضرات الأدباء ٢ : ٦١١ ومعاهد التنصيص ٢ : ٣٠٦. منسوبة للمتلمس.
(٤) سقطت كلمة «مطية» من : (ع) ، وفي (م): «مطية الجزم».
(٥) محمد بن أحمد ، ابن الفرفور ، قاضي القضاة ، توفي مسجونا بقلعة دمشق سنة ٩٣٧ ه انظر ترجمته في : درّ الحبب ج ٢ ق ١ : ١٣٥ ـ ١٣٨ ، الكواكب السائرة ٢ : ٢٢ ـ ، شذرات الذهب ١٠ : ٣٤١ ، الثغر البسام ١٨٠ ، ٣١٢ ، إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ٥ : ٤٥٠ ـ