منزل ، ويحنّ لأحبابه ولا كالحبيب الأوّل ، وأقمت بذلك المنزل وتلك الدار ستة عشر يوما لا يقرّ لي من البعاد قرار ، ولا أجد جلدا ولا أطيق اصطبارا ، ولا أطعم النوم إلّا غرارا ، وقد وهيت من فراق على فراق بداهية دهيا ، وبقيت لا ميّتا مع الأموات ولا حيّا مع الأحياء ، وكلما [١٣٨ أ] تمثّلت لتلك المعاهد ، وسألت عن تلك الموارد ، لا أجدها إلّا صما عميا ، فلم أزل أتطارح في تلك المنازل ، وأتجرع غصص المنايا من خطب البين النازل : [من الطويل]
وأنتسم نواسم تلك المعالم |
|
فيفوح لي كالعنبر المتنفس |
ونمشي حفاة في ذراها تأدبا |
|
نرى أننا نمشي بواد مقدّس (١) |
وقد تزايد الشوق وربا ، وزاد القلب هموما وكربا ، وأثار فيه حربا زبونا وحربا ، وتطايرت من نيران القلوب زفراته شررا ولهبا ، واعتلت من محاني الضلوع على الربا ، وبلغ سيل العيون من محاجرها الزبا ، وكلّ حسام الصبر ونبا ، وعثر جواد الاحتمال وكبا ، وأنا مع كل ذلك أستخبر عن أخبار ذلك الحبيب ولا خبر ولا نبأ ، وقد طال الليل وأظلم واحلولك ولا نوم ، وشابهه في نعته ما بعده من اليوم : [من الطويل]
فلم أر أنسا قبله عاد وحشة |
|
وبردا على الأحشاء عادغليلا [١٣٨ ب] |
ومن تك أيّام السّرور قصيرة |
|
به كان ليل الحزن منه طويلا (٢) |
وأنشد قول القائل مترجيّا : [من الكامل]
ولربّ نازلة يضيق لها الفتى |
|
ذرعا وعند الله منها المخرج |
__________________
(١) البيتان في تاج المفرق ٢ : ٩٢ بلا عزو.
(٢) هذان البيتان لابن خفاجة : الديوان ٢١٣ وفي نفح الطيب ٤ : ١٠٧ ، تاج المفرق ٢ : ٩١.