بجلالة قدره ، ونبذ الدنيا وراء [٢٤ ب] ظهره ، ووضع الله له البركة في علمه وعمله وعمره ، يظل يقطع ليله مستعبرا ، ويهش للجهل مبتذرا ، عالما أنه سيحمد عند صباحه السرى ، مع رواية ودراية وسلوك وهداية (١) ، ومراتب عليّة في الزهد والولاية ، قد جبل الله القلوب على محبته والنفوس على مودته : [من الكامل]
وإذا أحبّ الله يوما (٢) عبده |
|
ألقى عليه محبّة للناس (٣) |
فما رمقه طرف إلّا وأحب أن يفديه بسواده ، ولا نال أحد دعوته إلّا ورأى بركتها في نفسه وماله وأولاده ، نفعنا الله تعالى به وبالصّالحين من عباده. حضر للسلام عليّ ، ثم أضافني إلى منزله وقدّم ما حضر من شهي مأكله ، ثم دعا لي ببلوغ ما أرجوه ، وصرف كل سوء ومكروه ، وحصل له وارد بشّرني فيه بعموم الخير من سائر الوجوه ، وذكر لي أنه كتب على سؤال وخالفه في ما كتب ابن بلال ، وأن الشيخ أحمد الهنديّ قال : أصابا من وجه وأخطأ من آخر ، ولم يفصل مجمل المقال. والسؤال مضمونه : ما الرزق الذي يحصل به للحيوان الرفق؟ فكتب ابن بلال : هو ما يؤكل حراما أو حلالا ، وكتب هو : هو ما ينتفع به استقلالا ، فافهمته بلطف (٤) [٢٥ أ] مقصد الهنديّ ، ثم سألني عن التحقيق في ذلك ، فذكرت له ما عندي فاستحسن ما قلته وقبّل يدي ، ثم بكى وقال : هكذا ، هكذا ، وإلّا فلا ، لا يا سيدي ، ثم حصل لنا أنس حصل منه بكاء وأنين ، وتعانق وتلازم وحنين ، والله تعالى يعاملنا وإياه والمسلمين بخفي لطفه آمين.
ومنهم الشيخ المحقّق ، والإمام المدقق ، حسنة الليالي والأيام ، وقرّة عين المسلمين
__________________
(١) وردت في (ع): «وهدية».
(٢) وردت في (ع): «قوما».
(٣) البيت في تاج المفرق ١ : ٢٢٦ بلا عزو. وهو لابن عبد ربه الأندلسيّ (العقد الفريد ١ : ٢٢٦).
(٤) وردت في (ع): «لطف».