لتكمل في حقّه الإهانة ، فنعوّذ بالله من زوال النعم ومفاجأة النقم ، فطلع من الشّام أعز طلوع ورجع إليها ـ والعياذ [٢٩ أ] بالله ـ أذلّ رجوع (١) ، فلمّا وصله ذلك الخبر حار وجبن وخار ، ولاذ واستجار ، وذلّ بعد تجبّر (٢) وما أذلّ من هو جبّار ، وانكسر بعد فخره وتكبّره وما أسرع كسر الفخّار ، وقد دخلت عليه بعد بلوغي هذا الخبر ، فوجدته في غاية الذلّة والاتضاع والاختضاع ، ووجهه ممتقع غاية الامتقاع ، ومنتقع نهاية الانتقاع ، وهو وجماعته كما قال الله تعالى (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ)(٣) ، فتوجّع واشتكى وتأوّه وبكى ، ثم أظهر الجلد وأضمر البلوى ، وقال الحمد لله ما لأحد علينا تبعة ولا شكوى ، ولا ظلامة ولا دعوى ، وسوف يعلم أهل الشّام مقدار أيّامنا وحسن أقضيتنا وأحكامنا.
فطيّبت قلبه ، وسكّنت لبّه ، وقلت له : لا تخش من الرجوع ؛ فإنّ مقامك عند النّاس مرفوع ، وهذا إن شاء الله آخر القطوع ، ثم عانقني معانقة المثكل المفجوع ، وسقينا نبات الخدود بمياه الدموع ، ثم أنجد وأتهمت ، وأيمن وأشأمت [٢٩ ب] ، فعاد هو من الغد إلى الشّام ، وانتقض من حبله الإبرام ، وتهتّك حجابه ، وانفضت عنه أحزابه ، وشائنة أحبابه وأصحابه ، وتقطّعت أسبابه ، وأبيعت أمتعته وأسبابه ، وبيوته ، وعماراته ، وبساتينه ، وجنيناته ، وأراضيه وقراه ، وأعيد لأربابه كل ما كان اغتصبه أو اشتراه ، وتعدّى ذلك إلى سائر جهاته وجهات (٤) زوجاته وبناته ، وخرج عليه من كان داخلا فيه وراكنا إليه ، وشدّد عليه في الحساب من كان يعدّه من الأحباب ، فأتاه الخوف من جانب الأمن ، ومن حيث أمل الربح جاءه الغبن : [من الرّجز]
__________________
(١) وقع في مسودة المؤلف (م) تشطيب بما يعادل ورقة مضمونها بعض ما نسب لابن الفرفور من أخطاء وترّهات ، يتضح ذلك من السطر الأول الذي يمكن قراءاته : «وكان مما انتقد عليه ونسب من أنواع القبيح إليه أمور منها ...».
(٢) وردت في (م): «تجبره».
(٣) سورة غافر آية ١٨.
(٤) وردت في (م): «جهاز».