صارت قنّسرين مضافة إلى حلب في أيام بني العباس [٣٠ ب] ، وافتتحت في سنة ست عشرة من الهجرة ، وقيل سبع عشرة وقيل خمس عشرة ، وبينها وبين قنّسرين اثنا عشر ميلا تزيد أو تنقص قليلا ، وهي من (١) الإقليم الرابع أعدل الأقاليم إقليما ، ولذلك أهلها أنضر الناس وجوها ، وأصحّهم جسوما ، وقبلتها موافقة لقبلة دمشق الشّام ، ولها من الكور والضياع العظام ما يجمع سائر الغلات النفيسة كالفستق وحبة الخضراء والزيتون والتين ، وكانت من أكثر البلاد أشجارا وأحسنها بساتين ، فأفناها كثرة وقوع الخلاف (٢) بين الملوك والسّلاطين. وقلعتها حصينة مانعة شامخة عالية واسعة ، يعجز عن مثلها الرائد ، وتمتنع على الطالب والقاصد ، تكاد تناطح نجوم الجوزاء وتتجاوز كرة الهواء وتناجي أبراجها بروج السماء ، ويحيط بها خندق عظيم مملوء على الدوام ، وبها بباب المقام بها مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وبها كتابات قديمة رومانية من ذلك ما على الرخامة [٣١ أ] البيضاء التي هي الآن بالمدرسة الحلاوية (٣) ، وهي شفافة إذا جعل تحتها نور ظهر من أعلاها أو جعل في أعلاها بان من أدناها ، وعليها كتابة سريانية عرّبت ، فإذا هي : «عمل هذا للملك قلطيانوس (٤) والنسر الطائر في رابع عشر درجة من برج العقرب» ، فيكون مقدار ذلك إلى تعريبه ثلاثة الآف سنة ، وهذا اللوح أحضره السّلطان الملك العادل نور الدّين الشهيد من فامية (٥) ، وكان يحشي فيه القطايف للفقهاء ، وطوله يزيد على ثلاثة أذرع ، وعرضه على ذراعين ، وقد بذل الفرنج فيه مالا جزيلا فلم يجابوا إليه. ومن محاسنها جبل
__________________
(١) سقطت كلمة «من» من (ع).
(٢) سقطت كلمة «الخلاف» من (ع).
(٣) المدرسة الحلاوية بحلب كانت إحدى الكنائس التي بنتها هيلانة أم قسطنطين ، وعرفت بالكنيسة العظمى ، حولها القاضي يحيى بن الخشاب سنة ٥١٨ ه إلى مسجد عرف بالسراجين ، ثم حولها نور الدين زنكي سنة ٥٤٣ ه إلى مدرسة ، وجعل بها مساكن للفقراء. (معادن الذهب ١٦٠).
(٤) وردت في (ع): «قليطيانوس».
(٥) فامية : مدينة كبيرة من سواحل حمص ، وقد يقال لها أيضا أفامية. (معجم البلدان ٤ : ٢٣٣ ، صبح الأعشى ٤ : ١٢٥).