كان لك الله خير واق |
|
أمّنك الله في المسالك |
والله تعالى يقدر ذلك ، أنّه سبحانه القادر المالك ، ثم ذهبنا إلى حارتنا الأخرى وهي حارة الجلّوم إلى زاوية الشيخ محمد الكواكبي (١) [٣٢ ب] بلغنا الله تعالى ببركته ما نحب ونروم ، وكان لنا عند حفيده الشيخ عمر جزيئات ، فوجدناه قد تقاضاها على أتم الحالات ، وتلقانا هو وأعيان أهل المحلّة مودعين ، وباكين من ألم الفراق متوجعين ، ثم خرجوا معنا مشاة من باب أنطاكية (٢) إلى قاطع النهر ، ثم جاوزوا العمران وانتهوا إلى البرّ ، فحلفنا عليهم في العود فعادوا بعد الدّعاء وقراءة الفاتحة ، فجزاهم الله تعالى خيرا على أفعالهم الجميلة ونيّاتهم الصّالحة ، فلما عطف المودعون بالعود لقطرهم والرجوع ، وتبرأ التابع من المتبوع ، وطفيت نيران الوداع بمياه الدموع ، ترادفت (٣) على القلب أشجانه ، وتزايدت كروبه وأحزانه ، ثم وقفت هناك وقفة المسلّم ، وودعت البلاد الشّاميّة وداع المتأمّل المتألم ، وأنشدت : [من الطويل]
خليليّ هذا موقف من متيّم |
|
فعوجا قليلا وانظراه يسلم (٤) |
ثم سرت وقلبي في تلك التلاع وتلك الأجارع ، وقد فارقت الصبر عند مفارقة تلك المنازع ، وودعت الجلد عند وداعي تلك المجامع والجوامع ، [٣٣ أ] وقد خامرني الفرق واستولى على جفني الأرق ، وأولعت بما يولع به المشفق ، وأنفقت دمعي وكل
__________________
(١) وردت في (ع): «الكواني» مصحفة.
(٢) أحد أبواب حلب ، وسمي كذلك لأنه يفضي إلى مدينة أنطاكية ، وقد بني قبل القرن الرابع الهجري (معادن الذهب ٨٠).
(٣) وردت في الأصل و (ع): «ترادف» ، وما أثبتناه من (م).
(٤) البيت في معاهد التنصيص ٤ : ٢٢٧ منسوبة لأبي نواس وتاج المفرق ١ : ١٤٨ بلا عزو.