وتعارفنا في ذلك المكان بالقاضي كمال الدّين التادفي قاضي (١) حلب ، ثم مكّة كان فوجدنا عنده لطافة وحشمة وظرافة ، ثم صار بيننا وبينه أكد صحبة وأشد مودة ومحبة ، ثم استقبلنا من ذلك [المحل و (٢)] المركز ، العقبة المعروفة بعقبة المركز ، وهي عقبة طويلة مديدة صعبة وعرة شديدة ، تقطع الأسباب ، وتخلع الألباب ، وتذكر بالصراط والميزان والحساب ، كأنما الخطابيّ (٣) عناها بقوله : [من الطويل]
سلكت عقابا في طريقي كأنها |
|
صياصي ديوك أو أكف عقاب |
وما ذاك إلّا أنّ ذنبي أحاط بي |
|
فكان عقابي في سلوك عقاب (٤) |
ورأينا في طيّها معدن الدّهنج ، وجبالا من آس عرف طيبها يتأرج ، وغياض ماؤها سلسبيل وطلها سجسج ، ورياض سقفها مفوف وبساطها مدبج ، وقفار نيران حرّها يتوهّج ، وسمومها يلفح الوجوه ويلفج ، وسبل وعرة المدرج عسرة المنهج ، يضيق الصدر من حزونها (٥) ويحرج ، فلم نزل نرقى ربوات يخيل لراقيها أنه لامس النجوم ، ونهبط وهدات [٣٧ أ] يظن (٦) من هوى فيها أنه لابس التخوم ، ونسلك مسالك كالصراط إلّا أنه غير المستقيم ، يضل العقل فيها ويتحير ويهيم ، ويقاسي القلب من هولها العذاب الأليم ، وقد اشتدّت حمارّة القيظ ، والنفوس من جواز تلك العقبة الكؤود تكاد تميز
__________________
(١) سقطت كلمة «قاضي» من (ع). وكمال الدّين التادفي هو : محمد بن يوسف بن عبد الرحمن المتوفى سنة ٩٥٦ ه ، انظر ترجمته في : الكواكب السائرة ٢ : ٦٣ ـ ، شذرات الذهب ١٠ : ٤٤٩ ، إعلام النبلاء ٥ : ٥٢٣ ـ ٥٢٨.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل وعوضناها من (م) و (ع).
(٣) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو سليمان الخطابيّ.
(٤) البيتان في يتيمة الدهر ٤ : ٣٣٦.
(٥) الحزون : جمع حزن ، ما غلظ من الأرض.
(٦) وردت في (ع): «نطق».