ولابن الأبّار (١) : [من الطويل]
ونهر كما ذابت سبائك فضّة |
|
حكى بمحانيه انعطاف الأراقم |
إذا الشّفق استولى عليه احمراره |
|
تبدّى خضيبا مثل دامي الصّوارم |
يمر ببلاد السيس بين تلك الجبال والشعوب ، ثم يسير في حدود بلاد الرّوم من الشمال إلى الجنوب ، في وداة وجبال وتلال ، حتى يمر بالمصّيصة من جهة (٢) الشّمال ، ويسير بجوانبها من مشارقها إلى مغاربها ، فلما وافيناها وحللنا بها نزلنا بها في علوة ، وذلك يوم السبت ضحوة ، يصاحبنا (٣) الهواء الرطب ونسيمه ، والأرج العنبري وتقسيمه ، والنفس النجدي الذي هو في الصحّة شقيقه وقسيمه ، في ظل شجرة بطم في غاية الكبر والعظم ، كثيرة الأغصان ، غزيرة الأفنان ، يكاد (٤) يستظل بظلها أكثر من ألف إنسان. ذات طول عظيم وقوام قويم ، يرجع عن بلوغ طرفها طرف العين كليلا ، ولا يشفى من نظره لأعاليها عليلا ، ولا يروى من ترائيه لأقاصيها غليلا ، وقد قسنا أصلها باليدين فكان أربعة (٥) باعات وشبرين ، قد فاقت [٤٠ أ] الأشجار طيبا ونضرة وعظما ، فيالها من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، فهي من أغرب ما عايناه وأعجب ما شاهدناه ، وقد جرى في نعتها والقريحة جامدة ، ونيرانها بعد ذكائها (٦) وتوقدّها خامدة ، ما تمثّله الجنان ونطق به اللسان ورقمه البنان ، وهو قولي : [من البسيط]
__________________
(١) ورد في (ع): «ابن الأنبار» وهو أبو عبد الله محمد ابن الأبّار القضاعي البلنسي المتوفى سنة ٦٥٨ ه ، والأبيات في ديوانه ٢٩١.
(٢) سقطت هذه الكلمة من (ع).
(٣) وردت في (م) و (ع): «فصاحبنا».
(٤) وردت في (ع): «تكاد».
(٥) وردت في جميع النسخ : «أربع باعات» والصواب ما أثبتناه.
(٦) وردت في (ع): «ذكاتها».