به (١) ، وقد استشهد منهم رجال وتشرد آخرون ، وسجن من سجن ، ونفي من نفي ، وبرز منهم ناس بشعرهم حيث وجدوا فيه المتنفس الوحيد في مناخات صعبة ثقيلة الوطأة. وقد آتى نشاطهم أكله في الحركة الإصلاحية الدستورية التي قامت في سنة ١٩٤٨ م فأطاحت بالإمام يحيى حميد الدين وجاءت بالإمام عبد الله بن أحمد الوزير الذي لم يلبث أن قتل ، وعاد الحكم إلى أسرة حميد الدين بالإمام أحمد ، بيد أن هذه الحركة ـ وإن لم يكتب لها الفوز ـ كانت إرهاصة إلى الخلاص من حكم هذه الأسرة نهائيا في ٢٦ سبتمبر (أيلول) ١٩٦٢ م ، وكانت إنهاء لتركة ثقيلة من التخلف أزيحت عن كاهل الشعب اليمني الذي عاش تحت وطأتها فترة غير قصيرة.
ومن بين هؤلاء وأولئك نفر كان معهم نخبة من أفاضل علماء اليمن لم يشغله هذا الأمر عن الالتفات لما أورثه لهم السلف الصالح من عظيم الإنتاج في شتى صنوف المعرفة الإنسانية مدونة في كتب مخطوطة حافظ اليمنيون على ما بقي منها ورعوه فراحت أيديهم تمتد إليه للأخذ منه والإفادة من عيونه في كتابة (التاريخ اليمني) وظهر بذلك كتب قليلة تنقصها المنهجية في التأليف وبسط السببية في استنباط الحقائق من المعطيات ، فكانت أقرب إلى الجمع منها إلى الوضع ، وبذا أصبحت شكولا يسوق الواحد منها ما يسوق الآخر من حوادث نقلها وجمعها وقدمها في كتاب يحمل اسمه (٢) وإذا ما استقرأنا ما كتبه فضيلة القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني ـ وهو أحد أبرز رجال الفترة ـ حول هذا الموضوع نجد فيه مؤيدا قويا إلى ما نذهب إليه ؛ يقول في تقديمه لكتاب (اليمن عبر التاريخ) لأحمد شرف الدين : «.. إنّ المكتبة العربية خالية تماما من مؤلف
__________________
(١) يمثل هذا الاتجاه بشكل واضح أصحاب (مجلة الحكمة اليمنية).
(٢) لعل آخر كتاب صدر من هذا النوع كتاب (اليمن ، الإنسان والحضارة) لفضيلة القاضي العالم عبد الله بن عبد الوهاب الشماحي مستشار وزارة العدل ـ القاهرة ، ١٩٧٢ م.