قبل ينكحون الرجال فأخرج [لوط](١) بناته في الطريق. فقال : هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي ، أليس منكم رجل رشيد يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فردوا عليه : ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ، إنما نريد الرجال ، فقال عند ذلك : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رحم الله لوطا كان يأوي إلى ركن شديد» (٢) يعني ربه فلأي شيء استكان ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه» والثروة الكثرة والنعمة (٣) ، قال وهب بن منبه : لما قال لوط : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد وحدث عليه الرسل فقالوا : إن ركنك لشديد. قال ابن إسحاق : لما جاءت الرسل لوطا عليهالسلام أقبل قومه إليه حين أخبروا بهم يهرعون إليه. قال غير ابن إسحاق يسيحون (٤) إليه ويرعدون مع سرعة المشي مما بهم من طلب الفاحشة ، يقال : هرع الرجل إذا غضب أو حمي أو برد ، فيزعمون أن امرأة لوط هي التي خبّرتهم بمكانهم وقالت : إن عند لوط لضيفا ما رأيت أحسن منهم ولا أجمل قط. وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء فاشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين ، فلمّا جاؤوا قالوا : (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) ، أي ألم نقل لك لا يقريك أحد. فإنا لا نجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفاحشة ، قال : يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم (٥) فأنا أفدي ضيفي منكم بهن ولم يدعهم إلا للحلال من النكاح.
قال سعيد بن جبير في قوله تعالى (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ)
__________________
(١) من حد.
(٢) مسند أحمد ٢ / ٣٣٢ و ٣٥٠ ، فيض القدير ٤ / ٢٠ ، سنن ابن ماجه ٢ / ١٣٣٦ ، صحيح البخاري ٦ / ٩٧ بطريق مختلف ، وانظر تفسير الطبري ١٢ / ٨٨.
(٣) بقية النسخ : «والمنعة» وهي أوجه لهذا المقام.
(٤) حد ، صف : «يسحبون» ، وفي المحيط : المسياح : من يسيح بالنميمة والشر في الأرض.
(٥) مب زيادة : «ولا تخزوني في ضيفي».