فقال لي : أحب أن تساعدني إلى سوق الدواب. فتوجهنا نقصدها فزحمه حمار عليه راكب فأنشأ يقول :
يا خالق الليل والنهار |
|
صبرا على الذل والصغار |
كم من جواد بلا حمار |
|
ومن حمار على حمار (١) |
ذكر محمّد بن محمّد السنجي الكاتب أن أباه حدثه. قال : كان الوزير أبو محمّد المهلّبي تقدم إلى القاضي ابن قريعة أن يشرف على البناء في داره ؛ وأمر بأن لا يطلق بشيء من النفقة إلّا بتوقيع القاضي. قال : وكنت يوما جالسا مع جماعة في دار المهلّبي بقرب الموضع الذي كان القاضي يجلس فيه. فحضر رجل من العامة فوقف بين يديه ودعا له ، وادعى أن له ثمن ثلاثين بيضة أخذها منه الوكيل لتزويق السقوف ولم يعطه ثمنها. فقال له : بين عافاك الله دعواك ، وأفصح عن نجواك ، فمن البيض نعامي ، وبطي ، وهندي ، ونبطي ، وحمامي ، وعصافيري ، حتى أن السمك يبيض ، والدود يبيض ، فمن أي أجناسه لك؟ فقال الرجل : أنا لا أبيع بيض النعام لتزويق السقوف ، لي ثمن ثلاثين بيضة من بيض الدجاج النبطي. فقال : الآن حصحص الحق ، ما كنيتك؟ فقال : أنا عمر أبو حفص. فقال لكاتب البناء : اكتب بورك فيك إلى الوكيل محمّد بن عاصم : حضرنا ـ تولاك الله ـ أبو حفص عمر البيضي ، فذكر أن له ثمن ثلاثين بيضة دجاجيّا ، لا بطيّا ولا هنديّا أخذت على شرط الإنصاف منه ، ثم أخذ ثمنها عنه ، فارجع أكرمك الله إلى موجب كتابك ، وما أثبته باسم عمر هذا حسابك ، فإن كان صادقا فله ما للصادقين من البر والإكرام وإعطاء الثمن على الوفاء والتمام ، وإن كان كاذبا فعليه ما على الكاذبين من اللعن والزجر ، وقل له موبخا : باعدك الله من حريمه ، ما أقل وقارك لشيبك وحسبك. وصل على نبيك ، وادفع التوقيع إليه. قال : فلما أخذه الرجل وضعه في جيبه وقال : ثمن البيض علىّ أربعة دوانيق ؛ وأنا والله لا أبيع هذه الرقعة بدرهمين. ومضى حدّثني أبو أحمد الماسح. قال : كانت الحسبة ببغداد إلى ابن قريعة ؛ فوافاه أبو عبد الله الزّبيري الدعاء للسلطان في المواكب ، فشكى إليه [خياطا سلمه] (٢) جبة خز ليفصلها فسرق منها خرقة كبيرة وهربها عليه ؛ فكتب ابن قريعة إلى خليفته بباب الشام رقعة نسختها : بسم الله الرّحمن الرّحيم ؛ أنا
__________________
(١) انظر الخبر في : المنتظم ١٤ / ٢٥٨.
(١) ٢ ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.