سمعت غير واحد يحكي عن أبي عمر الزّاهد : أن الأشراف والكتاب وأهل الأدب كانوا يحضرون عنده ليسمعوا منه ، كتب ثعلب وغيرها. وكان له جزء قد جمع فيه الأحاديث التي تروى في فضائل معاوية ، فكان لا يترك واحدا منهم يقرأ عليه شيئا حتى يبتدئ بقراءة ذلك الجزء ، ثم يقرأ عليه بعده ما قصد له ، وكان جماعة من أهل الأدب يطعنون على أبي عمر ولا يوثقونه في علم اللغة.
حتى قال لي عبيد الله بن أبي الفتح : يقال إن أبا عمر لو كان طار طائر لقال حدّثنا ثعلب عن ابن الاعرابي ويذكر في معنى ذلك شيئا ، فأما الحديث فرأينا جميع شيوخنا يوثقونه فيه ويصدقونه.
حدّثنا علي بن أبي علي عن أبيه قال : ومن الرواة الذين لم نر قط أحفظ منهم ؛ أبو عمر محمّد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة فيما بلغني ، وجميع كتبه التي في أيدي الناس إنما أملاها بغير تصنيف ، ولسعة حفظه اتهم بالكذب. وكان يسأل عن الشيء الذي يقدّر السائل أنه قد وضعه فيجيب عنه ، ثم يسأله غيره عنه بعد سنة على مواطأة فيجيب بذلك الجواب بعينه.
أخبرني بعض أهل بغداد. قال : كنا نجتاز على قنطرة الصراة نمضي إليه مع جماعة فتذاكروا كذبه. فقال بعضهم : أنا أصحف له القنطرة وأسأله عنها فانه يجيب بشيء آخر ، فلما صرنا بين يديه قال له : أيها الشيخ ما القنطرة عند العرب؟ فقال : كذا وذكر شيئا قد أنسينا ما قال ؛ فتضاحكنا وأتممنا المجلس وانصرفنا ، فلما كان بعد شهور ذكرنا الحديث فوضعنا رجلا غير ذلك فسأله فقال : ما القنطرة؟ فقال : أليس قد سئلت عن هذه المسألة منذ كذا وكذا شهرا فقلت : هي كذا. قال : فما درينا في أي الأمرين نعجب ، في ذكائه إن كان علما فهو اتساع طريق ، أو كان كذبا عمله في الحال ثم قد حفظه ، فلما سئل عنه ذكر الوقت والمسألة فأجاب بذلك الجواب فهو أظرف.
قال أبي : وكان معز الدولة قد قلد شرطة بغداد غلاما مملوكا تركيا يعرف بخواجا ، فبلغ أبا عمر الخبر وكان يملى كتاب الياقوتة ، فلما جاءوه قال : اكتبوا ياقوتة خواجا ، الخواج في أصل لغة العرب الجوع ثم فرّع على هذا بابا وأملاه ، فاستعظم الناس ذلك من كذبه وتتبعوه.
فقال لي أبو علي الحاتمي وهو من بعض أصحابه : أخرجنا في «أمالي الحامض» عن ثعلب عن ابن الأعرابي ؛ الخواج الجوع ، وهو أخبرني هذا الخبر.