جعل لهم من الاطلاع ما لم يجعل لغيرهم كقوله تعالى : (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (١) وفي الحديث الصحيح : «قالت الملائكة ربي عبدك هذا يريد أن يعمل سيئة» الحديث ، أو بما يلوح في صفحات وجه الخائف. وامرأته قائمة جملة من ابتداء وخبر قال الحوفي وأبو البقاء : في موضع الحال ، قال أبو البقاء : من ضمير الفاعل في أرسلنا ، يعني المفعول الذي لم يسم فاعله ، والزمخشري يسميه فاعلا لقيامه مقام الفاعل. وقال الحوفي : والتقدير أرسلنا إلى قوم لوط في حال قيام امرأته ، يعني امرأة ابراهيم. والظاهر أنه حال من ضمير قالوا أي : قالوا لإبراهيم لا تخف في حال قيام امرأته وهي سارة بنت هاران بن ناخور وهي ابنة عمه ، قائمة أي : لخدمة الأضياف ، وكانت نساؤهم لا تحتجب كعادة الأعراب ، ونازلة البوادي والصحراء ، ولم يكن التبرج مكروها ، وكانت عجوزا ، وخدمة الضيفان مما يعد من مكارم الأخلاق قاله : مجاهد. وجاء في شريعتنا مثل هذا من حديث أبي أسيد الساعدي : وكانت امرأته عروسا ، فكانت خادمة الرسول ومن حضر معه من أصحابه. وقال وهب : كانت قائمة وراء الستر تسمع محاورتهم. وقال ابن إسحاق : قائمة تصلي. وقال المبرد : قائمة عن الولد. قال الزمخشري : وفي مصحف عبد الله وامرأته قائمة وهو قاعد. وقال ابن عطية : وفي قراءة ابن مسعود : وهي قائمة وهو جالس. ولم يتقدّم ذكر امرأة ابراهيم فيضمر ، لكنه يفسره سياق الكلام.
قال مجاهد وعكرمة : فضحكت حاضت. قال الجمهور : هو الضحك المعروف. فقيل : هو مجاز معبر به عن طلاقة الوجه وسروره بنجاة أخيها وهلاك قومه ، يقال : أتيت على روضة تضحك أي مشرقة. وقيل : هو حقيقة. فقال مقاتل : وروي عن ابن عباس ضحكت من شدّة خوف إبراهيم وهو في أهله وغلمانه. والذين جاؤوه ثلاثة ، وهي تعهده يغلب الأربعين ، وقيل : المائة. وقال قتادة : ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم. وقال السدي : ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل وقالت : عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا ، وهم لا يأكلون طعامنا. وقال وهب بن منبه : وروي عن ابن عباس : ضحكت من البشارة بإسحاق ، وقال : هذا مقدم بمعنى التأخير. وذكر ابن الأنباري أنّ ضحكها كان سرورا بصدق ظنها ، لأنها كانت تقول لابراهيم : اضمم إليك ابن أخيك لوطا وكان أخاها ، فإنه سينزل العذاب بقومه. وقيل : ضحكت لما رأت من المعجز ، وهو أنّ الملائكة مسحت العجل الحنيذ فقام حيا يطفر ، والذي يظهر والله أعلم أنهم لما لم يأكلوا ،
__________________
(١) سورة الانفطار : ٨٢ / ١٢.