وأوجس في نفسه خيفة بعد ما نكر حالهم ، لحق المرأة من ذلك أعظم ما لحق الرجل. فلما قالوا : لا تخف ، وذكروا سبب مجيئهم زال عنه الخوف وسرّ ، فلحقها هي من السرور ان ضحكت ، إذ النساء في باب الفرح والسرور أطرب من الرجال وغالب عليهن ذلك. وقد أشار الزمخشري إلى طرف من هذا فقال : فضحكت سرورا بزوال الخيفة. وذكر محمد بن قيس سببا لضحكها تركنا ذكره لفظاعته ، يوقف عليه في تفسير ابن عطية. وقرأ محمد بن زياد الأعرابي رجل من قراء مكة : فضحكت بفتح الحاء. قال المهدوي : وفتح الحاء غير معروف ، فبشرناها هذا موافق لقوله تعالى : ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى ، والمعنى : فبشرناها على لسان رسلنا بشرتها الملائكة بإسحاق ، وبأن إسحاق سيلد يعقوب. قال ابن عطية : أضاف فعل الملائكة إلى ضمير اسم الله تعالى ، إذ كان ذلك بأمره ووحيه. وقال غيره : لما ولد لابراهيم إسماعيل عليهماالسلام من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن ، وأيست لكبر سنها ، فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا ، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها. وإنما بشروها دونه ، لأنّ المرأة أعجل فرحا بالولد ، ولأن إبراهيم قد بشروه وأمنوه من خوفه ، فأتبعوا بشارته ببشارتها. وقيل : خصت بالبشارة حيث لم يكن لها ولد ، وكان لإبراهيم عليهالسلام ولده إسماعيل.
والظاهر أن وراء هنا ظرف استعمل اسما غير ظرف بدخول من عليه كأنه قيل : ومن بعد إسحاق ، أو من خلف إسحاق ، وبمعنى بعد ، روي عن ابن عباس واختاره مقاتل وابن قتيبة ، وعن ابن عباس أيضا : أن الوراء ولد الولد ، وبه قال الشعبي ، واختاره أبو عبيدة.
وتسميته وراء هي قريبة من معنى وراء الظرف ، إذ هو ما يكون خلف الشيء وبعده. فإن قيل : كيف يكون يعقوب وراء لإسحاق وهو ولده لصلبه ، وإنما الوراء ولد الولد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال : المعنى ومن الوراء المنسوب إلى إسحاق يعقوب ، لأنه قد كان الوراء لإبراهيم من جهة إسحاق ، فلو قال : ومن الوراء يعقوب ، لم يعلم أهذا الوراء منسوب إلى إسحاق أم إلى إسماعيل ، فأضيف إلى إسحاق لينكشف المعنى ويزول اللبس انتهى. وبشرت من بين أولاد إسحاق بيعقوب ، لأنها رأته ولم تر غيره ، وهذه البشارة لسارة كانت وهي بنت تسع وتسعين سنة ، وابراهيم ابن مائة سنة. وقيل : كان بينهما غير ذلك ، وهي أقوال متناقضة.
وهذه الآية تدل على أنّ إسماعيل هو الذبيح ، لأن سارة حين أخدمها الملك الجبار هاجر أم إسماعيل كانت شابة جميلة ، فاتخذ إبراهيم هاجر سرية ، فغارت منها سارة ،