فخرج بها وبابنها إسماعيل من الشام على البراق ، وجاء من يومه مكة ، وانصرف إلى الشام من يومه ، ثم كانت البشارة بإسحاق وسارة عجوز محالة. وسيأتي الدليل على ذلك أيضا من سورة والصافات. ويجوز أن يكون الله سماها حالة البشارة بهذين الاسمين ، ويجوز أن يكون الاسمان حدثا لها وقت الولادة ، وتكون البشارة بولد ذكر بعده ولد ذكر ، وحالة الإخبار عن البشارة ذكرا باسمهما كما يقول المخبر : إذا بشر في النوم بولد ذكر فولد له ولد ذكر فسماه مثلا عبد الله : بشرت بعبد الله. وقرأ الحرميان ، والنحويان ، وأبو بكر يعقوب : بالرفع على الابتداء ومن وراء الخبر كأنه قيل : ومن وراء إسحاق يعقوب كائن ، وقدره الزمخشري مولود أو موجود. قال النحاس : والجملة حال داخلة في البشارة أي : فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب. وأجاز أبو علي أن يرتفع بالجار والمجرور ، كما أجازه الأخفش أي : واستقرّ لها من وراء إسحاق يعقوب. وقالت فرقة : رفعه على القطع بمعنى ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب. وقال النحاس : ويجوز أن يكون فاعلا بإضمار فعل تقديره : ويحدث من وراء إسحاق يعقوب. قال ابن عطية : وعلى هذا لا تدخل البشارة انتهى. ولا حاجة إلى تكلف القطع والعدول عن الظاهر المقتضى للدخول في البشارة.
وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، وزيد بن علي : يعقوب بالنصب. قال الزمخشري : كأنه قيل ووهبنا له إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب على طريقة قوله : ليسوا مصلحين عشيرة ، ولا ناعب ، انتهى. يعني أنه عطف على التوهم ، والعطف على التوهم لا ينقاس ، والأظهر أن ينتصب يعقوب بإضمار فعل تقديره : ومن وراء إسحاق وهبنا يعقوب ، ودل عليه قوله : فبشرناها ، لأن البشارة في معنى الهبة ، ورجح هذا الوجه أبو علي ومن ذهب إلى أنه مجرور معطوف على لفظ بإسحاق ، أو على موضعه. فقوله ضعيف ، لأنه لا يجوز الفصل بالظرف أو المجرور بين حرف العطف ومعطوفه المجرور ، لا يجوز مررت بزيد اليوم وأمس عمرو ، فإن جاء ففي شعر. فإن كان المعطوف منصوبا أو مرفوعا ، ففي جواز ذلك خلاف نحو : قام زيد واليوم عمرو ، وضربت زيدا واليوم عمرا والظهر أن الألف في يا ويلتا بدل من ياء الإضافة نحو : يا لهفا ويا عجبا ، وأمال الألف من يا ويلتا عاصم وأبو عمرو والأعشى ، إذ هي بدل من الياء. وقرأ الحسن : يا ويلتي بالياء على الأصل. وقيل : الألف ألف الندبة ، ويوقف عليها بالهاء. وأصل الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة مكروه يدهم النفس ، ثم استعمل بعد في عجب يدهم النفس. ويا ويلتا كلمة تخف على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يعجبن منه ، واستفهمت بقولها أألد استفهام إنكار وتعجب ،