وأنا عجوز وما بعده جملتا حال ، وانتصب شيخا على الحال عند البصريين ، وخبر التقريب عند الكوفيين. ولا يستغنى عن هذه الحال إذا كان الخبر معروفا عند المخاطب ، لأنّ الفائدة إنما تقع بهذه الحال ، أما إذا كان مجهولا عنده فأردت أن تفيد المخاطب ما كان يجهله ، فتجيء الحال على بابها مستغنى عنها.
وقرأ ابن مسعود وهو في مصحفه والأعمش ، شيخ بالرفع. وجوزوا فيه. وفي بعلي أن يكونا خبرين كقولهم : هذا حلو حامض ، وأن يكونن بعلى الخبر ، وشيخ خبر مبتدأ محذوف ، أو بدل من بعلي ، وأن يكون بعلي بدلا أو عطف بيان ، وشيخ الخبر. والإشارة بهذا إلى الولادة أو البشارة بها تعجبت من حدوث ولد بين شيخين هرمين ، واستغربت ذلك من حيث العادة ، لا إنكارا لقدرة الله تعالى. قالوا : أي الملائكة أتعجبين؟ استفهام إنكار لعجبها.
قال الزمخشري : لأنها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والأمور الخارقة للعادة ، فكان عليها أن تتوفر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء في غير بيت النبوة ، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب. وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولهم : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، أرادوا أنّ هذه وأمثالها مما يكرمكم رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوّة؟ فليست بمكان عجيب ، وأمر الله قدرته وحكمته. وقوله : رحمة الله وبركاته عليكم كلام مستأنف علل به إنكار التعجب ، كأنه قيل : إياك والتعجب ، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم. وقيل : الرحمة النبوة ، والبركات الأسباط من بني إسرائيل ، لأن الأنبياء منهم ، وكلهم من ولد إبراهيم انتهى. وقيل : رحمته تحيته ، وبركاته فواضل خيره بالخلة والإمامة. وروي أن سارة قالت لجبريل عليهالسلام : ما آية ذلك؟ فأخذ عودا يابسا فلواه بين أصابعه ، فاهتز أخضر ، فسكن روعها وزال عجبها. وهذه الجملة المستأنفة يحتمل أن تكون خبرا وهو الأظهر ، لأنه يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم ، ويحتمل أن يكون دعاء وهو مرجوح ، لأن الدعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد. وأهل منصوب على النداء ، أو على الاختصاص ، وبين النصب على المدح والنصب على الاختصاص فرق ، ولذلك جعلهما سيبويه في بابين وهو أنّ المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح ، كما أن المنصوب على الذم يتضمن بوضعه الذم ، والمنصوب على الاختصاص لا يكون إلا لمدح أو ذم ، لكن لفظه لا يتضمن بوضعه المدح ولا الذم كقوله : بنا تميما يكشف الضباب. وقوله : ولا الحجاج عيني بنت ماء. وخطاب الملائكة إياها بقولهم : أهل البيت ، دليل على اندراج الزوجة في أهل البيت ، وقد دل على ذلك أيضا في