وقعت في قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (١) أو تكون واقعة على من يعقل على مذهب من يرى وقوعها على من يعقل مطلقا ، ويكون المستثنى في قصة النار عصاة المؤمنين ، وفي قصة الجنة هم ، أو أصحاب الأعراف لأنهم لم يدخلوا الجنة لأول وهلة ، ولا خلدوا فيها خلود من دخلها أول وهلة.
وقال الزمخشري : (فإن قلت) : ما معنى الاستثناء في قوله : إلا ما شاء ربك ، وقد ثبت خلود أهل الجنة والنار في الآية من غير استثناء؟ (قلت) : هو استثناء من الخلود في عذاب النار ، ومن الخلود في نعيم أهل الجنة ، وذلك أنّ أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده ، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب يساوي عذاب النار ، وبما هو أغلظ منها كلها وهو سخط الله عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم. وهكذا أهل الجنة لهم مع تبوّء الجنة ما هو أكبر منها وأجل موقعا منهم ، وهو رضوان الله تعالى. كما قال : (وَعَدَ اللهُ) الآية إلى قوله : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (٢) ولهم ما يتفضل به عليهم سوى ثواب الجنة ما لا يعرف كنهه إلا هو ، فهو المراد بالاستثناء ، والدليل عليه قوله : عطاء غير مجذوذ. ومعنى قوله في مقابلته : إن ربك فعال لما يريد ، أنه يفعل بأهل النار ، ما يريد من العذاب ، كما يعطي أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له ، فتأمله فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضا ولا يخدعنك عنه قول المجبرة : المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة ، فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم. وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم لما روي لهم بعض الثوابت عن عبد الله بن عمرو بن العاص : ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد ، وذلك عند ما يلبثون فيها أحقابا. وقد بلغني أن من الضلال من اعتبر هذا الحديث ، فاعتقد أنّ الكفار لا يخلدون في النار ، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه ، وتنبيها عن أن نغفل عنه. ولئن صح هذا عن أبي العاص فمعناه يخرجون من النار إلى برد الزمهرير ، فذلك خلو جهنم وصفق أبوابها انتهى. وهو على طريق الاعتزال في تخليد أهل الكبائر غير التائبين من المؤمنين في النار ، وأما ما ذكره من الاستثناء في أهل النار من كونهم لا يخلدون في عذاب النار ، إذ ينتقلون إلى الزمهرير فلا يصدق عليهم أنهم خالدون في عذاب النار ، فقد يتمشى. وأما ما ذكره من الاستثناء في أهل الجنة من قوله : خالدين ، فلا يتمشى لأنهم مع ما أعطاهم
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٣.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٧٢.