الله من رضوانه ، وما نفضل عليهم به من سوى ثواب الجنة ، لا يخرجهم ذلك عن كونهم خالدين في الجنة ، فلا يصح الاستثناء على هذا ، بخلاف أهل النار فإنه لخروجهم من عذابها إلى الزمهرير يصح الاستثناء.
وقال ابن عطية : وأما قوله إلا ما شاء ربك ، فقيل فيه : إن ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام ، فهو على نحو قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (١) استثناء في واجب ، وهذا الاستثناء هو في حكم الشرط كأنه قال : إن شاء الله ، فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع. وقيل : هو استثناء من طول المدة ، وذلك على ما روي أن جهنم تخرب ويعدم أهلها ، وتخفق أبوابها ، فهم على هذا يخدلون حتى يصير أمرهم إلى هذا وهذا قول محيل. والذي روى ونقل عن ابن مسعود وغيره : أنها تخلو من النار إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين ، وهو الذي يسمى جهنم ، وسمى الكل به تجوزا. وقيل : إلا بمعنى الواو ، فمعنى الآية : وما شاء الله زائدا على ذلك. وقيل : إلا في هذه الآية بمعنى سوى ، والاستثناء منقطع كما تقول : لي عندك ألفا درهم إلا الألف التي كنت أسلفتك ، بمعنى سوى تلك الألف. فكأنه قال : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض ، سوى ما شاء الله زائدا على ذلك ، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى بعد هذا : عطاء غير مجذوذ ، وهذا قول الفرّاء. وقيل : سوى ما أعد لهم من أنواع العذاب مما لا يعرف كالزمهرير. وقيل : استثناء من مدة السموات والأرض التي فرطت لهم في الحياة الدنيا. وقيل : في البرزخ بين الدنيا والآخرة. وقيل : في المسافات التي بينهم في دخول النار إذ دخولهم إنما هو زمرا بعد زمر. وقيل : الاستثناء من قوله : ففي النار ، كأنه قال : إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك ، وهذا قول رواه أبو نصرة عن جابر ، أو عن أبي سعيد الخدري ، ثم أخبر منبها على قدرة الله تعالى فقال : إن ربك فعال لما يريد انتهى. وقال أبو مجلز : إلا ما شاء ربك أن يتجاوز عنه بعذاب يكون جزاؤه الخلود في النار ، فلا يدخله النار. وقيل : معنى إلا ما شاء ربك كما شاء ربك ، قيل : كقوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) (٢) أي كما قد سلف. وقرأ الحسن : شقوا بضم الشين ، والجمهور بفتحها. وقرأ ابن مسعود ، وطلحة بن مصرّف ، وابن وثاب ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص سعدوا بضم السين ، وباقي السبعة والجمهور
__________________
(١) سورة الفتح : ٤٨ / ٢٧.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٢٢.