ابن مسعود ، فهذه أربعة وجوه في الشاذ. فأما القراءة الأولى فأعمال إن مخففة كإعمالها مشددة ، وهذه المسألة فيها خلاف : ذهب الكوفيون إلى أنّ تخفيف إن يبطل عملها ، ولا يجوز أن تعمل. وذهب البصريون إلى أنّ إعمالها جائز ، لكنه قليل إلا مع المضمر ، فلا يجوز إلا إن ورد في شعر ، وهذا هو الصحيح لثبوت ذلك في لسان العرب. حكى سيبويه أن الثقة أخبره أنه سمع بعض العرب أنّ عمر المنطلق ، ولثبوت هذه القراءة المتواترة وقد تأولها الكوفيون. وأما لما فقال الفراء : فاللام فيها هي اللام الداخلة على خبر إنّ ، وما موصولة بمعنى الذي كما جاء : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) (١) والجملة من القسم المحذوف وجوابه الذي هو ليوفينهم صلة ، لما نحو قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) (٢) وهذا وجه حسن ، ومن إيقاع ما على من يعقل قولهم : لا سيما زيد بالرفع ، أي لاسي الذي هو زيد. وقيل : ما نكرة موصوفة وهي لمن يعقل ، والجملة القسمية وجوابها قامت مقام الصفة ، لأن المعنى : وإن كلا لخلق موفى عمله ، ورجح الطبري هذا القول واختاره. وقال أبو عليّ : العرف أن تدخل لام الابتداء على الخبر ، والخبر هنا هو القسم وفيه لام تدخل على جوابه ، فلما اجتمع اللامان والقسم محذوف ، واتفقا في اللفظ ، وفي تلقي القسم فصل بينهما بما كما فصلوا بين أن واللام انتهى. ويظهر من كلامه أنّ اللام في لما هي اللام التي تدخل في الخبر ، ونص الحوفي على أنها لام إن ، إلا أنّ المنقول عن أبي علي أنّ الخبر هو ليوفينهم ، وتحريره ما ذكرنا وهو القسم وجوابه. وقيل : اللام في لما موطئة للقسم ، وما مزيدة ، والخبر الجملة القسمية وجوابها ، وإلى هذا القول في التحقيق يؤول قول أبي علي. وأما القراءة الثانية فتشديد إنّ وإعمالها في كل واضح. وأما تشديد لمّا فقال المبرد : هذا لحن ، لا تقول العرب إنّ زيدا لما خارج ، وهذه جسارة من المبرد على عادته. وكيف تكون قراءة متواترة لحنا وليس تركيب الآية كتركيب المثال الذي قال : وهو أنّ زيدا لما خارج هذا المثال لحن ، وأما في الآية فليس لحنا ، ولو سكت وقال كما قال الكسائي : ما أدري ما وجه هذه القراءة لكان قد وفق ، وأما غير هذين من النحويين فاختلفوا في تخريجها. فقال أبو عبيد : أصله لما منونا وقد قرىء كذلك ، ثم بني منه فعلى ، فصار كتتري نون إذ جعلت ألفه للإلحاق كارطي ، ومنع الصرف إذ جعلت ألف تأنيث ، وهو مأخوذ من لممته أي جمعته ، والتقدير : وإن كلّا جميعا ليوفينهم ، ويكون جميعا فيه معنى التوكيد ككل ، ولا يقال لما هذه هي لما المنونة وقف عليها بالألف ، لأنها بدل من التنوين ، وأجرى الأصل مجرى الوقف ،
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٣.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٧٢