لأنّ ذلك إنما يكون في الشعر. وما قاله أبو عبيد بعيد ، إذ لا يعرف بناء فعلى من اللم ، ولما يلزم لمن أمال فعلى أن يميلها ولم يملها أحد بالإجماع ، ومن كتابتها بالياء ولم تكتب بها ، وقيل : لما المشدّدة هي لما المخففة ، وشدّدها في الوقف كقولك : رأيت فرّحا يريد فرحا ، وأجرى الوصل مجرى الوقف ، وهذا بعيد جدا ، وروي عن المازني. وقال ابن جني وغيره : تقع إلا زائدة ، فلا يبعد أن تقع لما بمعناها زائدة انتهى. وهذا وجه ضعيف مبني على وجه ضعيف في إلا. وقال المازني : إن هي المخففة ثقلت ، وهي نافية بمعنى ما ، كما خففت إن ومعناها المثقلة ، ولما بمعنى إلا ، وهذا باطل لأنه لم يعهد تثقيل إن النافية ، ولنصب كل وإن النافية لا تنصب. وقيل : لما بمعنى إلا كقولك : نشدتك بالله لما فعلت ، تريد إلا فعلت ، وقاله الحوفي ، وضعفه أبو علي قال : لأن لما هذه لا تفارق القسم انتهى. وليس كما ذكر ، قد تفارق القسم. وإنما يبطل هذا الوجه لأنه ليس موضع دخول إلا ، لو قلت : إن زيدا إلا ضربته لم يكن تركيبا عربيا. وقيل : لما أصلها لمن ما ، ومن هي الموصولة ، وما بعدها زائدة ، واللام في لما هي داخلة في خبر إن ، والصلة الجملة القسمية ، فلما أدغمت ميم من في ما الزائدة اجتمعت ثلاث ميمات ، فحذفت الوسطى منهن وهي المبدلة من النون ، فاجتمع المثلان ، فأدغمت ميم من في ميم ما ، فصار لمّا وقاله المهدوي. وقال الفراء ، وتبعه جماعة منهم نصر الشيرازي : أصل لمّا لمن ما دخلت من الجارة على ما ، كما في قول الشاعر :
وإنا لمن ما يضرب الكبش ضربة |
|
على رأسه تلقى اللسان من الفم |
فعمل بها ما عمل في الوجه الذي قبله. وهذان الوجهان ضعيفان جدا لم يعهد حذف نون من ، ولا حذف نون من إلا في الشعر ، إذا لقيت لام التعريف أو شبهها غير المدغمة نحو قولهم : ملمال يريدون من المال.
وهذه كلها تخريجات ضعيفة جدا ينزه القرآن عنها. وكنت قد ظهر لي فيها وجه جار على قواعد العربية ، وهو أنّ لما هذه هي لما الجازمة حذف فعلها المجزوم لدلالة المعنى عليه ، كما حذفوه في قولهم قاربت المدينة ، ولما يريدون ولما أدخلها. وكذلك هنا التقدير وإن كلا لما ينقص من جزاء عمله ، ويدل عليه قوله تعالى : ليوفينهم ربك أعمالهم ، لما أخبر بانتفاء نقص جزاء أعمالهم أكده بالقسم فقال : ليوفينهم ربك أعمالهم ، وكنت اعتقدت أني سبقت إلى هذا التخريج السائغ العاري من التكلف وذكرت ذلك لبعض من