يقرأ عليّ فقال : قد ذكر ذلك أبو عمرو وابن الحاجب ، ولتركي النظر في كلام هذا الرجل لم أقف عليه ، ثم رأيت في كتاب التحرير نقل هذا التخريج عن ابن الحاجب قال : لما هذه هي الجازمة حذف فعلها للدلالة عليه لما ثبت من جواز حذف فعلها في قولهم : خرجت ولما سافرت ، ولما ونحوه ، وهو سائغ فصيح ، فيكون التقدير : لما يتركوا ، لما تقدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين في قوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) (١) ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم ، ثم بين ذلك بقوله : ليوفينهم ربك أعمالهم ، قال : وما أعرف وجها أشبه من هذا ، وإن كان النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في القرآن.
وأما القراءة الثالثة والرابعة فتخريجهما مفهوم من تخريج القراءتين قبلهما ، وأما قراءة أبي ومن ذكر معه فإن نافية ، ولمّا بمعنى إلا ، والتقدير : ما كل إلا والله ليوفينهم. وكل مبتدأ الخبر الجملة القسمية وجوابها التي بعد لما كقراءة من قرأ (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) (٢) (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٣) ولا التفات إلى قول أبي عبيد والفراء من إنكارهما أن لما تكون بمعنى إلا. قال أبو عبيد : لم نجد هذا في كلام العرب ، ومن قال هذا لزمه أن يقول : رأيت القوم لما أخاك يريد إلا أخاك ، وهذا غيره موجود. وقال الفراء : أما من جعل لما بمعنى إلا ، فإنه وجه لا نعرفه ، وقد قالت العرب مع اليمين بالله : لما قمت عنا ، وإلا قمت عنا ، فأما في الاستثناء فلم ننقله في شعر. ألا ترى أنّ ذلك لو جاز لسمع في الكلام : ذهب الناس لما زيدا؟ والقراءة المتواترة في قوله : وإن كل لما ، وإن كل نفس لما ، حجة عليهما. وكون لما بمعنى إلا نقله الخليل وسيبويه والكسائي ، وكون العرب خصصت مجيئها ببعض التراكيب لا يقدح ولا يلزم اطرادها في باب الاستثناء ، فكم من شيء خص بتركيب دون ما أشبهه. وأما قراءة الزهري ، وابن أرقم : لما بالتنوين والتشديد ، فلما مصدر من قولهم : لممت الشيء جمعته ، وخرج نصبه على وجهين : أحدهما : أن يكون صفة لكلا وصف بالمصدر وقدر كل مضافا إلى نكرة حتى يصح الوصف بالنكرة ، كما وصف به في قوله : (أَكْلاً لَمًّا) (٤) وهذا تخريج أبي علي. والوجه الثاني : أن يكون منصوبا بقوله : ليوفينهم ، على حد قولهم : قياما لأقومن ، وقعودا لا قعدن ، فالتقدير توفية جامعة لأعمالهم ليوفينهم. وهذا تخريج ابن جني وخبر إنّ على هذين الوجهين هو جملة القسم وجوابه.
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ١٠٥.
(٢) سورة يس : ٣٦ / ٣٢.
(٣) سورة الطارق : ٨٦ / ٤.
(٤) سورة الفجر : ٨٩ / ١٩.