بإضمار أن على جواب النهي ، وعدي فيكيدوا باللام ، وفي «فكيدون» (١) بنفسه ، فاحتمل أن يكون من باب شكرت زيدا وشكرت لزيد ، واحتمل أن يكون من باب التضمين ، ضمّن فيكيدوا معنى ما يتعدى باللام ، فكأنه قال : فيحتالوا لك بالكيد ، والتضمين أبلغ لدلالته على معنى الفعلين ، وللمبالغة أكد بالمصدر. ونبه يعقوب على سبب الكيد وهو : ما يزينه الشيطان للإنسان ويسوله له ، وذلك للعداوة التي بينهما ، فهو يجتهد دائما أن يوقعه في المعاصي ويدخله فيها ويحضه عليها ، وكان يعقوب دلته رؤيا يوسف عليهماالسلام على أنّ الله تعالى يبلغه مبلغا من الحكمة ، ويصطفيه للنبوة ، وينعم عليه بشرف الدارين كما فعل بآبائه ، فخاف عليه من حسد إخوته ، فنهاه من أن يقص رؤياه لهم. وفي خطاب يعقوب ليوسف تنهية عن أن يقص على إخوته مخافة كيدهم ، دلالة على تحذير المسلم أخاه المسلم ممن يخافه عليه ، والتنبيه على بعض ما لا يليق ، ولا يكون ذلك داخلا في باب الغيبة. وكذلك يجتبيك ربك أي : مثل ذلك الاجتباء ، وهو ما أراه من تلك الرؤيا التي دلت على جليل قدره ، وشريف منصبه ، ومآله إلى النبوة والرسالة والملك. ويجتبيك : يختارك ربك للنبوة والملك. قال الحسن : للنبوة ، وقال مقاتل : للسجود لك ، وقال الزمخشري : لأمور عظام. ويعلمك من تأويل الأحاديث كلام مستأنف ليس داخلا في التشبيه ، كأنه قال : وهو يعلمك. قال مجاهد والسدي : تأويل الأحاديث عبارة الرؤيا. وقال الحسن : عواقب الأمور ، وقيل : عامة لذلك ولغيره من المغيبات ، وقال مقاتل : غرائب الرؤيا ، وقال ابن زيد : العلم والحكمة.
وقال الزمخشري : الأحاديث الرؤى ، لأن الرؤى إما حديث نفس أو ملك أو شيطان ، وتأويلها عبارتها وتفسيرها ، فكان يوسف عليهالسلام أعبر الناس للرؤيا وأصحهم عبارة. ويجوز أن يراد بتأويل الأحاديث معاني كتب الله وسير الأنبياء ، وما غمض واشتبه على الناس في أغراضها ومقاصدها ، يفسرها لهم ويشرحها ، ويدلهم على مودعات حكمها. وسميت أحاديث لأنها تحدث بها عن الله ورسله فيقال : قال الله : وقال الرسول : كذا وكذا. ألا ترى إلى قوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (٢) (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (٣) كتابا وهي اسم جمع للحديث ، وليس بجمع أحدوثة انتهى. وليس باسم جمع كما ذكر ، بل هو
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ٥٥.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٨٥.
(٣) سورة الزمر : ٣٩ / ٢٣.