اقتلوا يوسف من جملة قولهم ، وقيل : هو من قول قوم استشارهم إخوة يوسف فيما يفعل به فقالوا ذلك. والظاهر أو اطرحوه هو من قولهم أن يفعلوا به أحد الأمرين ، ويجوز أن تكون أو للتنويع أي : قال بعض : اقتلوا يوسف ، وبعض اطرحوه. وانتصب أرضا على إسقاط حرف الجر قاله الحوفي وابن عطية ، أي : في أرض بعيدة من الأرض التي هو فيها ، قريب من أرض يعقوب. وقيل : مفعول ثان على تضمين اطرحوه معنى أنزلوه ، كما تقول : أنزلت زيدا الدار. وقالت فرقة : ظرف ، واختاره الزمخشري ، وتبعه أبو البقاء. قال الزمخشري : أرضا منكورة مجهولة بعيدة من العمران ، وهو معنى تنكيرها وإخلائها من الناس ، ولإبهامها من هذا الوجه نصبت نصب الظروف المبهمة. وقال ابن عطية : وذلك خطأ بمعنى كونها منصوبة على الظرف قال : لأن الظرف ينبغي أن يكون مبهما ، وهذه ليست كذلك ، بل هي أرض مقيدة بأنها بعيدة أو قاصية ونحو ذلك ، فزال بذلك إبهامها. ومعلوم أنّ يوسف لم يخل من الكون في أرض فتبين أنهم أرادوا أرضا بعيدة غير التي هو فيها قريب من أبيه انتهى. وهذا الردّ صحيح ، لو قلت : جلست دارا بعيدة ، أو قعدت مكانا بعيدا لم يصح إلا بوساطة في ، ولا يجوز حذفها إلا في ضرورة شعر ، أو مع دخلت على الخلاف في دخلت أهي لازمة أو متعدية. والوجه هنا قيل : الذات ، أي يخل لكم أبوكم. وقيل : هو استعارة عن شغله بهم ، وصرف مودته إليهم ، لأنّ من أقبل عليك صرف وجهه إليك وهذا كقول نعامة حين أحبته أمه لما قتل إخوته وكانت قبل لا تحبه. قال : الثكل أرامها أي : عطفها ، والضمير في بعده عائد على يوسف ، أو قتله ، أو طرحه. وصلاحهم إما صلاح حالهم عند أبيهم وهو قول مقاتل ، أو صلاحهم بالتوبة والتنصل من هذا الفعل وهذا أظهر ، وهو قول الجمهور منهم الكلبي. واحتمل تكونوا أن يكون مجزوما عطفا على مجزوم ، أو منصوبا على إضمار أن. والقائل : لا تقتلوا يوسف ، روبيل قاله قتادة وابن إسحاق ، أو شمعون قاله مجاهد ، أو يهوذا وكان أحلمهم وأحسنهم فيه رأيا وهو الذي قال : فلن أبرح الأرض قال لهم : القتل عظيم ، قاله السدي ، أو ذان. أربعة أقوال ، وهذا عطف منهم على أخيهم. لما أراد الله من إنفاذ قضائه وإبقاء على نفسه ، وسبب لنجاتهم من الوقوع في هذه الكبيرة وهو إتلاف النفس بالقتل. قال الهروي : الغيابة في الجب شبه لحف ، أو طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه عن العيون. وقال الكلبي : الغيابة كمون في قعر الجب ، لأن أسفله واسع ورأيه ضيق ، فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه. وقال الزمخشري : غوره وهو ما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله انتهى. منه قيل للقبر : غيابة ، قال المتنحل السعدي.