يذعن إلى مثله ، لأنّ تلك أفعال البشر ، وهو ليس منهم ، إنما هو ملك. وعلى هذا تكون اللام في لله للتعليل أي : جانب يوسف المعصية لأجل طاعة الله ، أو لما ذهب قبل. وذهب غير المبرد إلى أنها اسم ، وانتصابها انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال : تنزيها لله. ويدل على اسميتها قراءة أبي السمال حاشا منونا ، وعلى هذا القول يتعلق الله بمحذوف على البيان كلك بعد سقيا ، ولم ينون في القراآت المشهورة مراعاة لأصله الذي نقل منه وهو الحرف. ألا تراهم قالوا : من عن يمينه ، فجعلوا عن اسما ولم يعربوه؟ وقالوا : من عليه فلم يثبتوا ألفه مع المضمر ، بل أبقوا عن على بنائه ، وقلبوا ألف على مع الضمير مراعاة لأصلها؟ وأما قراءة الحسن وقراءة أبي بالإضافة فهو مصدر مضاف إلى ألفه كما قالوا : سبحان الله ، وهذا اختيار الزمخشري. وقال ابن عطية : وأما قراءة أبي بن كعب وابن مسعود فقال أبو علي : إن حاشى حرف استثناء ، كما قال الشاعر :
حاشى أبي ثوبان
انتهى.
وأما قراءة الحسن حاش بالتسكين ففيها جمع بين ساكنين ، وقد ضعفوا ذلك. قال الزمخشري : والمعنى تنزيه الله من صفات العجز ، والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله. وأما قوله : حاشى لله ، ما علمنا عليه من سوء ، فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله. ما هذا بشرا لما كان غريب الجمال فائق الحسن عما عليه حسن صور الإنسان ، نفين عنه البشرية ، وأثبتن له الملكية ، لما كان مركوزا في الطباع حسن الملك ، وإن كان لا يرى. وقد نطق بذلك شعراء العرب والمحدثون قال بعض العرب :
فلست لأنسى ولكن لملاك |
|
تنزل من جو السماء يصوب |
وقال بعض المحدثين :
قوم إذا قوبلوا كانوا ملائكة |
|
حسنا وإن قوتلوا كانوا عفاريتا |
وانتصاب بشرا على لغة الحجاز ، ولذا جاء : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ) (١) وما منكم من أحد عنه حاجزين ، ولغة تميم الرفع. قال ابن عطية : ولم يقرأ به. وقال الزمخشري : ومن قرأ على سليقته من بني تميم قرأ بشر بالرفع ، وهي قراءة ابن مسعود انتهى. وقرأ الحسن وأبو الحويرث الحنفي : ما هذا بشرى ، قال صاحب اللوامح : فيحتمل أن يكون معناه بمبيع أو
__________________
(١) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢.