بمشرى أي : ليس هذا مما يشترى ويباع. ويجوز أن يكون ليس بثمن كأنه قال : هو أرفع من أن يجري عليه شيء من هذه الأشياء ، فالشراء هو مصدر أقيم مقام المفعول به. وتابعهما عبد الوارث عن أبي عمرو على ذلك ، وزاد عليهما : إلا ملك بكسر اللام واحد الملوك ، فهم نفوا بذلك عنه ذل المماليك وجعلوه في حيز الملوك ، والله أعلم انتهى. ونسب ابن عطية كسر اللام للحسن وأبي الحويرث اللذين قرآ بشرى قال : لما استعظمن حسن صورته قلن هذا ما يصلح أن يكون عبدا بشرى ، إن هذا إلا يصلح أن يكون ملكا كريما. وقال الزمخشري : وقرىء ما هذا بشرى أي : بعبد مملوك لئيم ، إن هذا إلا ملك كريم. تقول : هذا بشرى أي حاصل بشرى ، بمعنى هذا مشترى. وتقول : هذا لك بشرى ، أي بكرا. وقال : وإعمال ما عمل ليس هي اللغة القدمى الحجازية ، وبها ورد القرآن انتهى. وإنما قال القدمى ، لأنّ الكثير في لغة الحجاز إنما هو جر الخبر بالباء ، فتقول : ما زيد بقائم ، وعليه أكثر ما جاء في القرآن. وأما نصب الخبر فمن لغة الحجاز القديمة ، حتى أنّ النحويين لم يجدوا شاهدا على نصب الخبر في أشعار الحجازيين غير قول الشاعر :
وأنا النذير بحرة مسودة |
|
تصل الجيوش إليكم أقوادها |
أبناؤها متكنفون أباهم |
|
حنقو الصدور وما هم أولادها |
وقال الفراء وهو سامع لغة حافظ ثقة : لا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء ، فلما غلب على أهل الحجاز النطق بالباء قال الزمخشري : اللغة القدمى الحجازية ، فالقرآن جاء باللغتين القدمى وغيرها.
(قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ. قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ. فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) : ذا اسم الإشارة ، واللام لبعد المشار ، وكن خطاب لتلك النسوة. واحتمل أن يكون لما رأى دهشهن وتقطيع أيديهن بالسكاكين وقولهن : ما هذا بشرا ، بعد عنهن إبقاء عليهن في أن لا تزداد فتنتهن ، وفي أن يرجعن إلى حسنهن ، فأشارت إليه باسم الإشارة الذي للبعيد. ويحتمل أن تكون أشارت إليه وهو للبعد قريب بلفظ البعيد رفعا لمنزلته في الحسن ، واستبعادا لمحله فيه ، وأنه لغرابته بعيد أن يوجد منه. واسم الإشارة تضمن الأوصاف السابقة فيه كأنه قيل :