وأكثر الناس قيل : كفار مكة لا يصدقون أن القرآن منزل من عند الله تعالى. وقيل : المراد به اليهود والنصارى ، والأولى أنه عام. ولما ذكر انتفاء الإيمان عن أكثر الناس ، ذكر عقيبه ما يدل على صحة التوحيد والمعاد وما يجذبهم إلى الإيمان فيما يفكر فيه العاقل ويشاهده من عظيم القدرة وبديع الصنع. والجلالة مبتدأ ، والذي هو الخبر بدليل قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) (١) ويجوز أن يكون صفة. وقوله : يدبر الأمر يفصل الآيات خبرا بعد خبر ، وينصره ما تقدمه من ذكر الآيات قاله الزمخشري. وقرأ الجمهور : عمد بفتحتين. وقرأ أبو حيوة ، ويحيى بن وثاب : بضمتين ، وبغير عمد في موضع الحال أي : خالية عن عمد. والضمير في ترونها عائد على السموات أي : تشاهدون السموات خالية عن عمد. واحتمل هذا الوجه أن يكون ترونها كلاما مستأنفا ، واحتمل أن يكون جملة حالية أي : رفعها مرئية لكم بغير عمد. وهي حال مقدرة ، لأنه حين رفعها لم نكن مخلوقين. وقيل : ضمير النصب في ترونها عائد على عمد أي : بغير عمد مرئية ، فترونها صفة للعمد. ويدل على كونه صفة لعمد قراءة أبي : ترونه ، فعاد الضمير مذكرا على لفظ عمد ، إذ هو اسم جمع. قال أي ابن عطية : اسم جمع عمود والباب في جمعه عمد بضم الحروف الثلاثة كرسول ورسل انتهى. وهو وهم ، وصوابه : بضم الحرفين ، لأن الثالث هو حرف الإعراب فلا يعتبر ضمه في كيفية الجمع. هذا التخريج يحتمل وجهين : أحدهما : أنها لها عمد ، ولا ترى تلك العمد ، وهذا ذهب إليه مجاهد وقتادة. وقال ابن عباس : وما يدريك أنها بعمد لا ترى؟ وحكى بعضهم أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض ، والسماء عليه كالقبة. والوجه الثاني : أن يكون نفي العمد ، والمقصود نفي الرؤية عن العمد ، فلا عمد ولا رؤية أي : لا عمد لها فترى. والجمهور على أن السموات لا عمد لها البتة ، ولو كان لها عمد لا حتاجت تلك العمد إلى عمد ، ويتسلسل الأمر ، فالظاهر أنها ممسكة بالقدرة الإلهية. ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (٢) ونحو هذا من الآيات. وقال أبو عبد الله الرازي : العماد ما يعتمد عليه ، وهذه الأجسام واقفة في الحيز العالي بقدرة الله تعالى ، فعمدها قدرة الله تعالى ، فلها عماد في الحقيقة. إلا أن تلك العمد إمساك الله تعالى وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز العالي ، وأنتم لا ترون ذلك التدبير ، ولا تعرفون كيفية ذلك الإمساك انتهى. وعن ابن عباس : ليست من دونها دعامة
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ٣.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٦٥.